مولانا الشيخ سعد أحمد سعد، الكاتب الصحفي الإسلامي الناشط، رجل مثير للجدل.. أتاحت لي ظروف عملي أن ألتقيه- وجهاً لوجه- وأن أتعرف عليه عن قرب. وبرغم بعض التقاطعات مع بعض آرائه، إلا أنني اكتشفت في شخصيته أبعاداً أخرى، تختلف عن تلك التي تسود عند كثيرين، من الذين يضعونه في قائمة المتشددين المتزمتين والمتنطعين.. فالرجل فيه سمات التسامح، ولا تنقصه روح المرح، ويتسربل بشجاعة لافتة.. وفوق هذا وذاك يتسلح بخلفية لغوية متينة، تتجلى في بيانه المدهش، وفصاحته الأخاذة.. رغم أنه يميل أحياناً إلى استخدام ألفاظ تعود إلى عصور «الكلام الحجري». وحين انضم شيخنا الأستاذ سعد لكوكبة «أهل العروس»، مستصحباً عنوان مقاله الشهير «أصل المسألة»، لم يتفاجأ به القراء.. فقد سبقت مجيئه حملة ترويجية داوية، حملت إشارات إلى خلافه مع «إخوانه» وأقرانه «الترابيين السابقين».. وجاء الترويج ينبيء بأن كاتباً متميزاً وقلماً خطيراً في الطريق، لتتواصل إطلالة «أصل المسألة» عبر منبر جديد.. هو «منبر كل السودانيين».. وتراوحت ردود الأفعال، بين الإندهاش والإستغراب، يمتزجان بمشاعر الترقب و «الشمشرة»، وقد أثار ذلك الانتقال- غير المفاجيء- من زمرة «الإنتباهيين» جدلاً واسعاً في الأوساط الصحافية والسياسية، وتتابعت علامات الاستفهام: ماذا سيكتب الشيخ؟ وماذا سيقول؟ وماذا وراء انسحابه؟ ولماذا اختار «آخر لحظة» دون غيرها؟ وهل ثمة حسابات ينوي تصفيتها؟ وهل؟ وهل؟ بعض ظرفاء المدينة قالوا إن انضمام الأستاذ سعد سيزيد من عدد الأقلام «المشاغبة» التي تضج بها الصحيفة، ولكن الشيخ يحمل نوعاً آخر من الشغب الذي «ينفح به» مؤمن الغالي أو صلاح عووضه.. بل هو مناقض لهما، وقد بادر إلى تحذيرهما من قلمه «السنين».. ومع ذلك إندلعت المناوشات القلمية الساخنة، في وقت مبكر.. والشيخ لما يزل ضيفاً عزيزاً، ولكنها كانت- وما تزال- مساجلات مهذبة راقية.. لم تنحدر أدواتها إلى السفاسف وصغائر الأمور، ولم تتوشح عباراتها بساقط القول أو بذيء الكلام. ولا شك في أن ذلك يأتي تكريساً لقيم سلوكية مهنية راشدة، أرستها- وتختطها- «آخر لحظة»، وهي تفتح صفحاتها لكل حملة الأقلام.. الموالين منهم والمناوئين، بحيث لا يستطيع القاريء أن يعمد إلى تصنيفها أهي من هؤلاء أو أولئك.. أم أنها تتخذ بين الجميع مكاناً وسطاً، كان بين ذلك قواما. ومن خلال «أصل المسألة» إنتصب الشيخ سعد مدافعاً صلباً ومنافحاً شرساً عن مذهب «أهل السنة، والجماعة»، في وجه ما يراه هجوماً مخططاً يغزو به الشيعة والرافضة والمتشيعون أركان المجتمع السوداني مستهدفين التغلغل في كيان الأمة. واجتهد الشيخ في عرض الأطروحات الشيعية- على مدار التاريخ- وتفنيدها والرد عليها، كما عمد إلى كشف وتعرية المصطلح الشيعي المشهور «بالتقية» مسلطاً الضوء على الأخطار المحدقة بالثوابت العقائدية الراسخة في الوجدان السوداني. وبرغم انتمائه التاريخي للحركة الإسلامية، وللحرس القديم من الإنقاذيين «البدريين»، إلا أنه ما فتيء ينتقد الموقف الإنقاذي الرسمي من الشيعة، ولم يتردد الشيخ سعد في مهاجمة «الانفتاح» الرسمي علىهم، ولم يتورع عن تحذير الحكومة والحاكمين من مغبة الانسياق وراءهم ومجاراتهم وموالاتهم.