مصر التاريخ .. مصر النضارة والطهارة والحضارة .. مصر النيل والضراعات والإهرامات وحجر رشيد.. مصر التي وقفت للحق حتى سطع. إنها مصر الحقيقة ..الحديقة ..الوريفة .. إنها مصر التي جاء اسمها بين ردهات التاريخ وزخات الزمن. إنها ياسادتي مصر الأسطورة القديمة التي تقول: مصر شمعة مضيئة في قاع النهر ..تظهر كل حقبة وتضييء العالم وتشعل بضوئها عبقرية الزمان والمكان.. ثم تعود مرة اخرى الي قاع النهر فيتنفس ويشتعل ضوءها في عتمة الليل وموج النيل. هكذا ياسادتي وفي مساء الاربعاء الثالث من يوليو تشاهقت مصر الشمعة المضيئة في قاع النهر وطفت على السطح حيث القى الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع ..القائد العام للقوات المسلحة المصرية الأقرب إلي التيار الاسلامي.. ألقى بيانه التاريخي الذي كان فيه الخلاص من الدكتاتورية المدنية التمكينية التي قادها الدكتور محمد مرسي وأعلن فيه الفريق عبدالفتاح السيسي عزل الدكتور محمد مرسي من منصبه كرئيس للجمهورية.. وجاء في البيان التاريخي تكليف المستشار عدلي منصور برئاسة جمهورية مصر لفترة موقوتة حتي يتم توفيق الأوضاع في مصر .. المستشار عدلي منصور رجل حقوقي يحيط نفسه بسياج منيع من السِّرية والغموض ويخبيء ذلك وراء منظاره الضخم الذي يكاد يخفي الربع الاعلى من وجهه، وهو رجل ستيني يميل الي التيار الإسلامي في غير مغالاة.. ويبدو عصري المظهر ولايميل اطلاقاً الي إطلاق لحيته..! وإنما هو حليق الذقن والشارب.. ولم تنجح الشبكة العنكبوتية في الحصول على سيرته الذاتية .. ومراحل تعليمه الاولي إلا من القليل.. حصل في عام 1967م على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة.. وكانت مصر آنذاك تحنيء رأسها خجلاً من النكسة التي تعرضت لها.. ثم التحق بالدوائر الدستورية وتدرج في الوظائف إلي أن تم تعينه نائباً لرئيس المحكمة الدستورية..في خواتيم عام 1992م وقبلها كان قد شغل مناصباً عديدةً في المجال الحقوقي الدستوري.. في عام 1984م تم تعينه نائباً لرئيس مجلس الدولة.. ومن ثم حصل على لقب رجل قضاء من الطراز الأول.. ومكنه جهده الدؤوب من الوصول الي منصب رئيس المحكمة الدستورية العليا.. وتأسيساً على ذلك كان عدلي منصور على موعد مع القدر حيث وثقت فيه المؤسسة العسكرية المصرية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع ورئيس المجلسي الأعلى للقوات المسلحة المصرية.. وتم تعينة رئيساً للجمهورية لفترة مؤقتةٍ حتي تتم في مصر انتخابات رئاسية مبكرة.. وكذلك انتخابات نيابية. مصر الشمعة المضيئة في قاع النهر تشاهق وجهها المغسول بحليب القمر.. كان مساء الاربعاء الثالث من يوليو قد حملنا على آلة الزمن ..فسافرت بنا الي الماضي المشرق الجميل.. حيث كانت قد اندلعت في شهر يوليو عام 1952م اعظم ثورة عربية على الاطلاق بقيادة اللواء محمد نجيب.. وبعدها وبفترة قصيرة تولى البكباشي جمال عبدالناصر قيادة الحكم في مصر.. ورغم قسوة هذه الخطوة إلا أن عبدالناصر وفي فترة وجيزة سطع نجمه في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط.. بل ولمع اسمه في المحافل الدولية كأحد واضعي« مشروع دول عدم الإنحياز في العالم مع نهرو وتيتو وازهري» وبموته فقد الوطن العربي والاقليمي والعالمي أهم رجل في التاريخ العربي الحديث بعدها بايعت المؤسسة العسكرية المصرية الرئيس الراحل محمد أنور السادات رئيساً لجمهورية مصر العربية الي ان تم إغتياله في حادث المنصة الشهير.. وتولى بعده السلطة نائبه الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي تم عزله بواسطة المؤسسة العسكرية المصرية التي إنحازت الي الجماهير واسقطت نظام حسني مبارك الذي انتشر فيه الفساد والمحسوبية.. وبعد ذلك وتحت إشراف المؤسسة العسكرية المصرية أجريت إنتخابات نيابية ورئاسية نتج عنها انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً لجمهورية مصر لفترة برلمانية لمدة أربع سنوات إلا أنه وفي خواتيم سنتها الاولى تدخلت المؤسسة العسكرية مرة اخرى بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وعزلت الدكتور مرسي وعينت المستشار عدلي منصور رئيساً للجمهورية لفترة مؤقتة. هذه ياسادتي فذلكة تاريخية سريعة لدور المؤسسة العسكرية المصرية في المشاركة في حكم مصر في اطار شمولي قابض لم يسمح إطلاقاً بالتبادل السلمي للسلطة ومن ثم كانت قد إنطلقت عدوى مرض شهوة السلطة والصولجان الي عدد مقدر من الدول العربية. بقى القول أن المؤسسة العسكرية المصرية وحسب رأيها أن لها أسبابها في التدخل لتوفيق أوضاع المشهد السياسي المصري، وذلك وفق سيناريوهات مختلفة إبتدعتها، ومنها السيناريو الأخير الذي أزاحت به الدكتور مرسي عن سدة الحكم.. وجاء ذلك ببساطة شديدة.. وقد جاء محو اسم مرسي كرغبة جماهيرية جامحة.. وكان ذلك مفتتحاً لبيان المؤسسة العسكرية المصرية التي بدأت بيانها: إن القوات المسلحة المصرية لم يكن في مقدورها ان تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب المصري التي إستدعت القيام بدورها الوطني. وهكذا ياسادتي ستظل مصر دوماً شمعة مضيئة في قاع النهر.