من السمات البارزة لقانون الإنتخابات القومية لسنة 2008م كبر حجمه وطول مواده، والتي بلغت إثنتي عشرة ومائة مادة، مقارنة بسلفيه قانون 1998م «خمس وثلاثون مادة»، وقانون 1995م «ثلاثون مادة»، ويبدو أن السبب في ذلك يعود للإسهاب والتفصيل الدقيق الذي إتسم به القانون الحالي من جهة، وتضمين الأحكام المتعلقة بالأساليب الفاسدة في قانون الانتخابات للمرة الأولى في تاريخ السودان، بعد أن كانت تصدر كقانون مستقل، باسم قانون منع الأساليب الفاسدة منذ عام 1953م، من جهة أخرى. ü وعند استعراض أحكام قانون الإنتخابات الراهن، ومنذ الوهلة الأولى، يلفت نظرنا اسم القانون، والذي جاء مخالفاً لسائر التشريعات الانتخابية السودانية، إذ حمل القانون إسم «قانون الانتخابات القومية لسنة 2008 م» وكانت القوانين السابقة تستخدم عبارة «الإنتخابات العامة»، فهل هناك فرق بين المصطلحين؟ وأيهما أبلغ في التعبير وأدق في الوصف؟. في رأيي المتواضع، أن نعت الانتخابات التي جرت في 2010م بالقومية لم يكن موفقاً ولا صحيحاً، ذلك لأن بعض هذه الانتخابات كانت تتعلق بانتخابات ولائية، مثل انتخابات الولاة، وانتخابات المجالس التشريعية الولائية، والتي لا يمكن إطلاقاً وصفها بالانتخابات القومية، كما هو الحال بالنسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية، أو انتخابات المجلس الوطني، ومجلس الولايات فالانتخابات القومية أو الاتحادية هي تلك التي تتم على نطاق القطر كله، لا على مستوى الولاية وبالتالي تخرج عن التعريف الانتخابات الولائية وكذلك المحلية «لاختيار المجالس التشريعية للمحليات»، بل و تخرج من التعريف أيضاً الانتخابات الإقليمية التي أجريت في النطاق الجغرافي لإقليم جنوب السودان قبيل الانفصال. ü إذن الوصف الصحيح للانتخابات التي تقام على كافة الأصعدة القومية والولائية، هو «الانتخابات العامة»Elections eralGen وليس Elections Nationalولعل هذا هو المبرر الذي جعل المشرع السوداني في الماضي يستخدم عبارة الانتخابات العامة دون سواها. ü وإذا انتقلنا إلى داخل القانون ، فسوف نتوقف عند المادة الثالثة الخاصة بالتفاسير، وتحديداً التفسير المتعلق بكلمة «الانتخابات» إذ عرفت بأنها تعني عملية «أخذ رأي الناخبين وفق أحكام دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م وهذا القانون». هذا النص يفيد بأن الانتخابات هي عملية التصويت من قبل الناخبين لأي من المرشحين لكن في الواقع عملية الانتخابات أكبر من ذلك وأشمل، حيث أن أخذ الرأي أو التصويت هو الإقتراع، والذي لا يعدو أن يكون جزء من أجزاء عديدة تشكل معاً المنظومة الانتخابية، والتي تشمل التسجيل، والترشيح، والحملات الانتخابية، والاقتراع، والفرز وإعلان النتائج، وبالتالي لا يمكن إختزال الإنتخابات في الاقتراع، رغم أهميته باعتباره العنصر الحاسم في السلسلة كلها، لهذا فإنا نرى أن يعاد النظر في تعريف «الانتخابات» الوارد في القانون الحالي للتفرقة بين مجمل حلقات العملية المتوالية، وبين مرحلة إدلاء الناخبين بأصواتهم، وهذا الفهم ينسجم مع المفاهيم الدولية الحديثة للرقابة على الانتخابات، إذ درجت أدبيات المجتمع الدولي في هذا الشأن على التركيز على أن تكون الرقابة شاملة للمراحل كلها، منذ مرحلة إعداد قانون الانتخابات ومروراً بالمحطات اللاحقة، وحتى إعلان النتائج، ثم استمراراً لما بعد ذلك، من حيث القبول والرضى الشعبي بالنتائج وهكذا.نواصل في الحلقات القادمة بمشيئة الله تحليل نصوص قانون الانتخابات الحالي وتسليط الضوء على الثغرات الصياغية والموضوعية التي أفرزتها الممارسة العملية. والله من وراء القصد.