الأمر(مامطلوق) كما حدثنا الشيخ حاج الماحي، وأولاده، ووالدي الذى ظل متعلقاً بسيرة صاحب (الروضة)، ومفتوناً باستضافة مادحيه، وتحفيزنا نحن حيران خلوة خالي الشيخ حاج بلول، لتحميس الطار، ليشق الليالي المقمرة، فيبلغ صدى السيرة المطهرة آخر مدى.. إني أجد العذر لنفسي فى أن الأمر(ما مطلوق)، كلما شهدت جلسة فى الحرم تثير الآمال والتساؤلات: أما كان الأولى بهذا الإنفاق ممن تكررت زيارتهم أن يذهب لمقاصد التكافل ويلبي حاجة من تعفف عن السؤال وهو أيضاً من الدين؟. نعم هذا وارد ولكن فى الأمر(منادٍ) أيضاً.. الفكرة على كل حال تظل وجيهة، وهى أن ننظر حولنا ونتفقد أحوال أهل الحاجة، وأن نقدر الأولويات وأن نتذكر أن رسولنا الكريم الذى بلغ الرسالة، ونصح الأمة، جعل حجته حجة وداع، ليعلمنا بمنهج القدوة الحسنة.. هذه القدوة ظلت جوهر أداء المناسك (خذوا عني مناسككم) و(صلوا كما رأيتموني أصلي)، الدعاة المصاحبون للحجيج أصبح هذا همهم الأساسي، أن يقتدي الجميع بهدي رسول الله، يفعلون ما فعل تحديداً خلال رحلة الحج والعمرة، ويتجنبون ما نهى عنه ويتمتعون بحوافز التيسير(افعل ولا حرج). العلم بكل ذلك متاح الآن فى كتيبات ومطبوعات أنيقة فى متناول الكافة وبعدة لغات، وما تبقى إلا أن ينعكس هذا الإتباع الرشيد لمناهج السنة المطهرة على سلوك العباد فى حياتهم اليومية، لتتحقق مقاصد هذه الهجرة الى الله بمنهج صحيح يجعل من حج واعتمر متجهاً من بعد ذلك لوجه آخر من أوجه الإنفاق السخي، فى وقت اشتدت فيه وطأة الحاجة واحتدت شوكة الفقر، بعد ذلك يبقى باب المنادى مفتوحاً.. فالأمر(ما مطلوق). هذه المناقشات على شرفات الحرم تذكرنا بالمؤتمرات العالمية التى يتنادى اليها بنو البشرية لمعالجة قضايا كونية مشتركة، حيث المناخ الروحي يشيع بيئة من الإستعداد لتقبل الآخر وتنامي القناعات المشتركة، وقد حظيت بمجالسة عدد من التجمعات العفوية وسعدت بما تداولنا حوله تلاقينا مرة على خلفية أيام التحرر الوطنى وأمجاد( آسيا وافريقيا) لنحتفظ بشعرة معاوية برغم الأزمات والأعاصير.. كان الحديث مع أطراف مصرية وجزائرية تسيطر عليه آثار أعاصير الكرة، لكنه انتهى بالتعادل الموضوعي متأثراً بالأجواء الروحية والمرجعية النضالية لشعوب البلدان الثلاثة، أما الحوار مع المعتمر الأندونيسى فقد ركز على قوة المسلمين الكامنة فى هذا العدد الهائل من الحجاج والمعتمرين، ثم عرجنا على سيرة رموز عصر مؤتمر باندونغ، سمع ببعضهم ولكنه منحاز كلياً لطراز أحمدى نجاد، نحن في آسيا أخرى إذن، وربما افريقيا أخرى، أيضاً وتركيا وجنوب أوربا حتماً، حيث التوجه الروحي سيد الموقف اليوم.. إنها قراءة أخرى لنسبة غير العرب بين الحجيج، وهي تتعاظم كل عام كماً وفعلاً واقتحاماً لأبواب المجد القديم. كيف يدار هذا الكم الهائل من البشر؟. الجموع تتدفق من المطارات وبشتى اللغات، لتنساب وتتعايش وتتفاعل وتقتسم المساحات والموارد والأنفاس والتضرعات، نظام دقيق وفعَّال تحس به وبإضافاته كل عام دون أن ترى وسائله وآلياته، هذه (الإدارة) تثير الإعجاب وتشكل رأياً عاماً فى المناقشات. المقارنة واردة، كيف(يدير) السودانيون أنفسهم هناك؟ أكثر الجهات عرضة لهذه المقارنة، هي البعثة وسودانير، فهل من جديد؟ رأيت أن أكون منصفاً فقارنت بإدارتنا لمؤسساتنا ككل، والأكثر إنصافاً هو المقارنة بين إدارة البعثة وسودانير اليوم بحالها العام الماضي، وهل استفاد أحد من النقد الأليم المتكرر. هذا يحتاج لأجهزة قياس للإحتكام اليها لمعرفة مقدار ما أحرز من تحسين فى الأداء الذى أثار الغضب. والى أن يحدث ذلك، فالأمر يظل نهباً للإنطباعات، وهى ليست لصالح أحد كما نسمع ونقرأ كل مرة، ونستغفر. الجديد هذه المرة هو الإقامة فى فندق ممتاز ليس بينه والحرم المدني سوى خطوات، أما فى مكة فالمواقع بعيدة مازالت، وكما هى من حيث التكدس والزحام والشكوى من الوعود ولكن الترحيل للحرم متاح تماماً. أما سودانير فيبدو أنها مصرة على موقفها، ولاتوجد آثار لعلاقات عامة وإعلام ومعلومات عن أعذارها وأسباب تخلفها عن موعدها، أو إدمانها التأجيل، أو حفاظها على كسبها القديم كناقل وطني حميم، ولكن طاقمها مستعد دائماً للإعتذار عن التأخير، وامتصاص غضب الركاب، بخدمة جوية واضح انها محاولة لإنقاذ الموقف على طريقة البيت السوداني، حين يداهمه الضيوف، إن أمير رحلتنا على كثرة ما أطل علينا بالمعلومات والتنويهات لم يحدثنا عن كون السفر قطعة من النار إلا حين توجهنا للمطار. أمير الرحلة هذا (ماجد السر) هو من مظاهر التحسين التى لاحظناها فى أداء البعثة هذه المرة، لقد تميز بالحضور، وسعة الصدر، والمبادرة بالحلول، وامتلاك ناصية الإدارة، وفقاً لنظرية الجودة، والتى غايتها (إرضاء الجمهور بل إسعاده).. تعرفت عليه لأول مرة خلال هذه الرحلة، وعرفت أن له تجارب فى إدارة المراكز الشبابية والمجموعات السياحية، والمؤسسات الإعلامية بولاية الخرطوم، كما له تجارب فى تفويج الحجيج، وهو ملم بالشعائر، وذو دراية بشعاب مكة، وبمآثر المدينة، ومواقع الزيارات وأسرارها. إنى شخ