عندما كانت ابنتي طفلة كانت تطلب مني كل مساء أن أحكي لها حكاية.. وكنت أنحت ذاكرتي لأستخلص لها حكاية.. حكاية الضبع والأرانب أعجبتها فأخذت تطلبها وفي كل مرة يختلف السرد هي ليست من تأليفي لا أعرف هل هي لكاتب عربي.. أم أنها مترجمة؟.. الآن كبرت ابنتي ولم تعد تطلب مني أن أحكي لها الحكاية.. إذن سأحكيها لكم سادتي وسيداتي وآنساتي القراء.. لماذا؟ لا أدري ولكن طبعاً هنالك بالتأكيد سبب.. ربما في كامن عقلي الباطن لكن من المؤكد أنه مثلما كانت ابنتي تستمتع بالاستماع كنت أنا أستمتع بالسرد.. والحكاية تقول: كان يا ما كان.. في جديد الزمان.. كان في مجموعة من الأرانب تسكن في أجحار بقرب النهر.. الأرانب السوداء.. والبيضاء.. والرمادية والمبرقعة أسود بأبيض كانت بينهما ثمة مشاحنات طفيفة لا تفسد للود قضية. كانوا يخرجون الصباح إلى المزارع ويتركون أولادهم من الأرانب الصغيرة في البيوت الجحرية.. قبل الذهاب إلى العمل.. يذهبون إلى النهر يستحمون ويشربون ويملأون الجرار بالماء.. يفعلون ذلك وهم يغنون في سعادة وكان الضبع يرقبهم ويحسدهم على هذه السعادة.. مضت حياتهم على هذا المنوال.. فكر الضبع أن يستغلهم ليأكل حتى يشبع.. ذات صباح عمد إلى صخور وسد بها مجرى النهر فانقطعت المياه عن الانسياب وجف النهر قبالتهم. جاءوا يستحمون ويشربون فوجئوا بالأمر.. احتاروا هنا ظهر الضبع.. واشترط عليهم إذا أرادوا أن تعود المياه أن يؤكلونه حتى يشبع فوافقوا.. انتظر عودتهم في المساء.. أحضروا الأكل للأرانب الصغيرة فطالبهم بتنفيذ الشرط.. فأخذ يلتهم ما أحضروه من طعام.. لم يترك لهم ولا فتفوتة.. نام الأطفال جوعى.. في اليوم التالي خرجوا إلى النهر استحموا وشربوا وذهبوا إلى المزارع.. عندما عادوا في المساء كان في انتظارهم الضبع والتهم كل الطعام.. وباتت الأرانب الصغيرة جوعى لليوم الثاني.. قالوا في الغد يعوضونهم.. أيضاً التهم الضبع كل الطعام.. في اليوم الرابع خرجوا إلى النهر حزانى.. والأرانب الصغيرة لا تقوى على السير جراء الجوع فأشفق الكبار عليهم.. وفي المساء عاد الضبع لتنفيذ الشرط لكنهم رأوا أن الصغار سيموتون.. فرفضوا إعطاءه الطعام.. وأعطوه للصغار فأكلوه بشراهة.. قال الضبع: أصبروا لي.. وعاود إغلاق مجرى النهر بالصخور. جاءوا الصباح ووجدوا النهر جافاً.. فأخذوا يفكرون.. قال أيضاً حكيم.. لنعتمد على أنفسنا ونتحد جميعاً بمختلف ألواننا ونحفر تحت الصخر حتى يتدفق الماء.. قال أرنب متخاذل: لن نستطيع.. تقدم الأرنب الحكيم ومجموعته وأخذوا بأظافرهم يحفرون انضمت إليهم مجموعة أخرى وثالثة حتى كانوا كلهم يحفرون ويحفرون في إصرار كبير.. تعبوا.. أخذوا قسطاً من الراحة ثم واصلوا.. بدأ الماء ينساب بسيطاً فكانت هذه إشارة للاستمرار في العمل والحفر.. واصلوا بدأب وتحدٍ أخيراً انساب الماء وتدفق.. فأخذوا يشربون ويستحمون وأصبحت الصخور بمثابة جسر يلهون بتسلقه.. غنوا ورقصوا.. نظر الضبع إليهم.. ذهل من فكرتهم.. غضب.. هاج وماج.. أخذ يقذفهم بالحجارة كانوا يتحاشونها.. تركوه في هياجه.. وذهبوا إلى مزارعهم.. أخيراً قرر الضبع أن يترجل عن المكان وأن يتخلى عن الفكرة من أساسها وذهب يبحث عن أرانب غشيمة.. عاش الأرانب سعداء وأصبحوا يحتفلون كل عام بذكرى انتصارهم على الضبع الضخم. وانتهت الحكاية ..!