الاستاذ علي محمود وزير خزانة الوطن وبالأمس حدثناك عن كيف «كنتم» في قمة «المسكنة» بل كنتم في براعة نجوم التمثيل.. وانتم «تلوكون» «التمر» و«تهرسون» فول الحاجات.. في موائدكم عند المؤتمرات.. والقاعات بل حتى في مقصورات الاستادات.. عندما كانت الادارات الرياضية تتوهم إنكم في زهد الزاهدين وتقشف المتصوفين كانت تلك الادارات تضع أمام مقاعدكم «صحانة» التمر وفول الحاجات.. وتتمكن الانقاذ وتجري دماء العافية في جسد قادتها.. وتهبط الثروات.. بل تتفجر عيون النفط من باطن الأرض.. وينحدر سيل الأموال إلى خزانة المركزي وخزائن وزارة المالية انحداراً أشد قوة وعنفاً من سيل أبو قطاطي ذاك الذي وكت يتحدر ما يفضل شي.. واستبدلت اطباق الموائد.. وذهبت إلى غير رجعة بل ودعتم التمر وفول الحاجات وداع «هريرة» والركب مرتحل.. وكأن قطعة من الجنة قد هبطت على الأرض.. وبالمناسبة.. أنا «لا سمعت لا جابو لي» فقد كنت شاهداً بل «آكلاً» معكم في كل تلك الموائد.. وأقسم لك بالشعب والأيام الصعبة.. إني قد حضرت كل مؤتمراتكم وتنويراتكم ورحلاتكم وافتتاحات مشاريعكم.. وأقسم مرة أخرى مثل تلك.. كانت كل موائدكم هي من فئة السبع والعشرة نجوم.. كانت كلها «بوفيهات مفتوحة».. نأخذ الأطباق النظيفة الفارغة.. ثم «ندب دبيب النمل» لنمر على أصناف من الطعام.. يحتوي على كل ما برع فيه «الشيف» العالمي «أسامة السيد» عشرين نوعاً من اللحوم البيضاء.. وعشرة أشكال من الابداع في طبخ اللحوم.. ومقبلات ومشهيات وكأننا في ضيافة فندق «بفرلي هيلز» في كلفورنيا وفاكهة لا مقطوعة ولا ممنوعة.. فاكهة لا تعرف الاحتجاب في الفصول.. تأتي من بيروت.. ودمشق وجوهانسبرج.. و «كرز» محمول على أجنحة الطائرات من بلغاريا.. وكثيراً ما كان بجانبي وعلى طاولة الطعام صديقي رحاب طه.. وكثيراً ما كنت اسأله هامساً وأنا بين اليقظة والأحلام.. «يا رحاب نحن في الجنة».. ودعني أعترف لك استاذ علي إني لم أعرف أصنافاً من الطعام.. رغم أني «مولود» في ودنوباوي.. ورغم أني قد «أكلت» البيتزا والهوت دوق والباسطرمة بالبيض وقبل اربعين سنة ومن محلات «زكي في قلب الخرطوم.. ورغم ذلك فقد اجتاحتني الدهشة بل كدت أصبح مثل أحد «إخوانكم» ذاك الذي أتى إلى سفرة الطعام في جامعة الخرطوم قبل ثلاثين سنة وتزيد وفي أول يوم دراسي له في الجامعة جلس مشدوهاً في مائدة الطعام.. مسح بعيونه محتويات الطعام.. لم يعرف منها شيء غير الخبز.. فضرب المائدة بقبضة يده وهو يصيح «من كد وجد».. أستاذ علي.. لقد عاشت الانقاذ في بذخ.. وأنفقت الأموال في تلف.. وذاك الصرف البذخي التفاخري هو جزء من الأزمة الاقتصادية التي نجابهها الآن.. فهل نحلم بأن تعودوا مرة أخرى إلى «البلح وفول الحاجات» وهل نطمع في قدوة منكم.. ومثال من إخوانكم.. وهل يمكن أن نجد من بينكم من يفعل ما فعله الصادق المهدي عندما كان رئيساً للوزراء وفي آخر حكومة ديمقراطية قبل أن تدهسها خيولكم قبل ربع قرن من الزمان.. وقبل أن أخبرك بالذي فعله الصادق المهدي دعني اؤكد لك اني لست من حزبه ولم أكن «حزب أمة» في يوم من الأيام.. واعتقد بأني لن أكون في حزب الأمة في مقبل الأيام.. ولكن الصادق المهدي قد أرسى أو ابتدع موقفاً نبيلاً وعظيماً رغم اني اعتقد أنه يقع في دائرة «الطوباوية» والمثالية الهيجيلية ومحاولة بناء مدينة فاضلة.. أو انزال جمهورية افلاطون لتمشي على الأرض.. فقد إمتنع صادق المهدي من اخذ مليم أحمر كمرتب له كرئيس للوزراء.. نعم الرجل لم يكن محتاجاً لهذا المرتب ولكن تكمن القصة في القدوة والمثال.. وختاماً سيدي هل أطمع أو أمني نفسي بأن أسمع من «إخوانك» الدستوريين والوزراء وكل القادة المقتدرين مالياً بأن عدداً منهم قد قرر العمل بالمجان رافضاً المرتب والمخصصات وحتى العربات.. أنا أتحدث عن الأغنياء.. ولا أعشم ولا أحلم حتى في المنام بأن يترك أحد من الفقراء والمنحدرين من أسر فقيرة ومنهكة.. والذين «خلعهم» الذي لم يألفوه في بيوت آبائهم فطفقوا يتطاولون في البنيان.. هؤلاء لا أتوقع منهم إستجابة ولا تضحية وهؤلاء لن يتخلوا عن «قرش» واحد.. حتى يدخل الجمل في سم الخياط.. سيدي الوزير.. هل تلتقط القفاز وترفض المرتب والامتياز.. لتحرز الميدالية الذهبية.. مع السلامة