رئيس الوزراء يؤكد أهمية تعزيز الأمن الداخلي بولايات الوسط المحررة مؤخرًا    توافد ضيوف الإتحاد المحلي كريمة مروي لحضور الجمعية العمومية الإنتخابية    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    مدرب المريخ في بورتسودان ودعم كبير قبل موقعة الجمعة    شاهد بالفيديو.. المذيعة السودانية الحسناء نورهان نجيب تثير ضجة إسفيرية واسعة بعد ظهورها في تقديم ليالي "العسكري" بأزياء قصيرة ومثيرة    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    كامل إدريس يدشن انطلاق امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة 2024    السودان..تقارير تكشف معلومات جديدة بشأن الهجوم على سجن كوبر    "مخدرات في طحين الإغاثة".. مغردون يفضحون المساعدات الأميركية لغزة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    بعد ظهور غريب..لاعب الهلال السوداني يثير جدلاً كبيرًا    المريخ يكثف درجات إعداده للنخبة وبترقب اكتمال عقد الفريق    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    القضارف.. إيصال إمداد كافي للمناطق التي يمكن أن تنقطع في الخريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    الجَمْع بَينَ البُطُولَتين    رونالدو: الدوري السعودي أحد أفضل 5 دوريات في العالم    ميادين الكرامة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تهويمات)    قبل مواجهة فريقه السابق سان جيرمان.. ميسي في مرمى الانتقادات    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    برشلونة يستفز ريال مدريد بقميص مخصص للكلاسيكو القادم    حادثة هزت مصر.. تفاصيل حزينة لمأساة "فتيات العنب"    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تغازل عازفها الجديد في إحدى حفلاتها الأخيرة وجمهورها يرد: (مؤدبة ومهذبة ومحتشمة)    قوات إسرائيلية في إيران.. زامير يكشف "مفاجأة ما بعد الحرب"    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    الخرطوم.. "طوق أمنيّ" في"الجقب" والحصيلة مرعبة    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    "سيستمر إلى الأبد".. ترمب يعلن بدء وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    إيران ترد على القصف الأمريكي بعملية عسكرية    قوات الجمارك مكافحة التهريب بكريمة تضبط كميات كبيرة من المخدرات    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    التلاعب الجيني.. متى يحق للعلماء إبادة كائن ضار؟    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصادق المهدي.. و«استغماية» المصطلحات!
نشر في آخر لحظة يوم 24 - 10 - 2013

ü اشتهر السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي بفصاحته اللغوية وحبه وموهبته في نحت المصطلحات الجديدة وحبه لها، لدى كل منعطف سياسي حاد، بحيث أصبحت «اللغة» هي المساهمة الكبرى من لدن السيد الصادق التي ينتظرها السودانيون، حاكمون ومحكومون، وهي مساهمة تشكل في الغالب مخرجاً مريحاً، ولو مؤقتاً، لأطراف الأزمة، خصوصاً الطرف الحاكم.
ü آخر مساهمة للسيد الصادق، كانت إبان الأزمة الأخيرة، وقت «الهَّبة السبتمبرية» التي خرج فيها السودانيون يحتجون على زيادة الأسعار وما يسمى ب«رفع الدعم عن المحروقات»، حيث أعلن السيد الصادق فور تراجع تلك الهبة والإجراءات العنيفة التي اتخذتها السلطات تجاهها أنهم في حزب الأمة لا يرفعون شعار «اسقاط النظام» ولكنهم يطالبون ب«نظام جديد»، فاستغرب الناس هذه «التخريجة» الجديدة، التي أشبه ما تكون بلعبة «الاستغماية» التي يمارسها أطفال السودان لأول عهدهم بالأنشطة المُسلِّية، بحيث يختبيء واحد أو اثنين منهم ويبدأ الآخرون في البحث عنه حتى يكتشفونه ليحدث حينها الانتصار الممزوج بالدهشة والارتياح.
ü تجددت أقوال السيد الصادق بتفصيل وتوسع حول هذه العلاقة «المتخيلة» والمتناقضة بين مقولتي «الشعب يريد اسقاط النظام» و «الشعب يريد نظام جديد» في حوار له مع جريدة «الخبر» الجزائرية أعادت نشره الزميلة «الأهرام اليوم» أمس، حيث أسهب السيد الصادق في شرح دواعي هذا التفريق بين «اسقاط النظام» القديم والدعوة ل«نظام جديد»، بلسان ذرب قد يفوِّت على الكثيرين تهافت المنطق الذي يقوم عليه وعَّوار الفكرة من أساسها ومنطلقاتها، من ذلك مثلاً أقواله:
ü عبارة «الربيع العربي» أنا لا أوافق عليها، لأن الربيع موسم، والموسم ينتهي بسرعة، وما تعرفه المنطقة هو «تحرر الشعوب» فالعالم كله به تيارات تسير نحو الديمقراطية وأنا اعتقد أن ما يحدث في المنطقة هو «الموجة الخامسة» من التحول الديمقراطي في العالم.. لكن في السودان الموقف مختلف بمعنى أن التحول الديمقراطي في السودان أخذ مراحل مختلفة، فمثلاً أبرم في 2005 اتفاقية سلام تعتبر من ناحية التحول الديمقراطي اشتملت على بعض الانجازات بمعنى أن هذه الاتفاقية فيها ما يمكن أن يسمى قبول من جهة السلطة الحاكمة لأن تكون كل قوانين السودان مطابقة للوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان... ثم الاتفاق أن تكون في صلب الدستور وأن تلتزم بها الدولة... صحيح لم يتم الالتزام بها ولكنها خطوة نحو التحول الديمقراطي في السودان.
ü ولنبدأ من صدر الجملة الأخيرة في هذا المقتطف لنرى كيف أن «اللغة» ودهاليزها تشكل ملعب «الاستغماية» الأثير في مساهمة السيد الصادق السياسية فهو يعترف- بعبارة مُخففة- بأنه «صحيح لم يتم الإلتزام بها، ولكنها (خطوة) نحو التحول الديمقراطي».. وهنا يجب علينا أن نذكِّر السيد الصادق بمأخذه الرئيس على اتفاقية سلام «نيفاشا» عندما جرى توقيعها في ذلك التاريخ... حينها وصفها السيد الصادق بأنها «اتفاقية ثنائية» بين الحزب الحاكم والحركة الشعبية، وانها تفتقر إلى الشمول الذي يجعل منها مدخلاً لتحول ديمقراطي حقيقي، وقال إنه وحزبه والأحزاب المعارضة عموماً نقبل بها لأنها تشكل مدخلاً لوقف الحرب. فالسيد الصادق إذاً لم يكن يتوقع منذ البداية أن تقود الاتفاقية إلى تحول ديمقراطي، والأدهى من ذلك إنه- كما يفصّل في حديثه للصحيفة- أنها لم توقف الحرب بل قادت إلى تفجير «ست جبهات قتال» عددها في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي. بما يعني أن الاتفاقية، كانت لها نتيجة واحدة هي تقسيم السودان إلى شمال وجنوب، فلم تجلب السلام ولا التحول الديمقراطي المنشود، وجل ما فعلته هو تمديد عمر النظام الحاكم مع اتاحة «هامش حريات محسوب»، ولا يزال صقور النظام يهددون كل من يفكر بتغيير هذا الواقع بالويل والثبور وعظائم الأمور، وقد اثبتت الأيام مجدداً أن هؤلاء «الصقور» هم الأعلى صوتاً والأقوى شوكة في اطار الحزب الحاكم، ولا يقبلون حتى مجرد التلويح ب«الاصلاح» حتى من داخل النظام كما جرى أخيراً مع د. غازي صلاح الدين وجماعته.
ü نجيئ للإفادة الأهم في حديث السيد الصادق المهدي ل«الخبر» الجزائرية حيث يقول: العيب الذي تكرر في تجربة الربيع العربي أن التحرك اسقط النظام ولم يكن متفق على النظام البديل، لذلك صارت نوعاً من الحيرة في بلدان الربيع العربي، وللأسف يوجد في أغلبها حالة من الفوضى التي تنذر بهزيمة القضية الديمقراطية، لذلك نحن نعرض ميثاقاً وطنياً يحدد معالم «النظام الجديد» المطلوب والذي نسعى أن توقع عليه جميع القوى.. يقع فيه الاتفاق حول ما نريد وليس ما لا نريد، فما لا نريده هو النظام الحاكم، ولكن ما نريد هو المختلف حوله، وهذا ما يجب أن يتفق عليه الجميع، ثم إذا اتُفق عليه سندعو بصفة مخططة إلى اعتصامات نسميها «مظاهرات اعتصامية» في كل الساحات العامة في السودان وليس في الخرطوم لوحدها وهذا سيشكل ضغطاً حركياً شعبياً على النظام فإذا استمر النظام على العناد هذا سيؤدي في نظرنا لانتفاضة شاملة أو لاضراب عام أو لعصيان مدني، كل هذه وسائل غير عنيفة لتحقيق التحول الديمقراطي والسلام العادل.. أو أن النظام سيدرك أنه طيلة هذه الفترات لم يتمكن من تقديم علاج حقيقي لمشكل البلاد فيمتثل لعقد مؤتمر جامع لتشكيل «نظام جديد».
ü هذه هي خلاصة نظرية السيد الصادق للتغيير، وهي في حقيقة الأمر تشكل نهجاً قديماً وراسخاً لديه، خبرناها منذ مطلع التسعينات وأوائل هذا القرن عندما كان يقول «الحل بالإيدين أخير من الحل بالسنون».. فهو رجل يكره العنف في العمل السياسي- وهذا حقه- لكنه ينسى دائماً أن العمل السياسي في النهاية ما هو إلا تعبير عن مصالح تصطرع ويتصاعد النزاع عليها، غالباً، إلى مرحلة المواجهات العنيفة، بما يجعل - من وجهة النظر الواقعية- الدعوة لتجنب العُنف، على نبلها، بمثابة دعوة لعرقلة التغيير، خصوصاً إذا رجح أن من بادر بالعنف هو النظام الذي يدافع عن مصالحه، كما أشار السيد الصادق في حديثه للصحيفة.
ü ما نود أن نخلص إليه من هذه «الاضاءة» هو حل «الغلوطية» أو «الاستغماية» في «لغة» السيد الصادق وتفريقه المُتخيل بين شعاري «اسقاط النظام» و «النظام الجديد».. فالنظام الجديد لن يقوم بداهة إلا بزوال «النظام القديم»، غض النظر عن الوسائل، تحول سلمي ديمقراطي أم انتفاضة شعبية قوية أم كفاح مسلح، وكلها وسائل مجربة في تاريخ الشعوب، وبحسب ظروف كل بلد ونضوج الأزمة فيه، فهي التي تحدد الوسيلة وليس اختيارات الزعماء أو الناس- حاكمين أو محكومين- أما الحديث عن أن دول الربيع العربي في حيرة من أمرها لأنها أطاحت بحكامها ولا تعرف ماذا تفعل، فهو حديث يتوقف عند سطح الظاهرة ولا يغوص إلى أعماق الأزمة حيث تتفاعل وتصطرع مصالح القوى الراغبة في الديمقراطية وتلك التي تريد إبدال استبداد قديم بآخر جديد، يؤمن لها الإنفراد بالسلطة والثروة والهيمنة الآيديولوجية، فالإطاحة بهذا الحاكم أو ذاك لا يعني بالضرورة انتصار الديمقراطية على كل أعدائها ضربة لازب.
ü سيدي الصادق؛ لا تغيير حقيقي يقع وفق خطة مُحكمة ب«الورقة والقلم» يقوم بوضعها نخبة من الساسة يتفقون مقدماً على شكل «البديل» وتفاصيله، وإلا كانت تلك الخطة بمثابة «مؤامرة» ما أسهل اكتشافها ووأدها في مهدها، فالشعوب وحركتها الحرة هي التي تقرر متى وكيف يكون التغيير، ولكم في «أبريل» و «ذكرى اكتوبر» أصدق مثال!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.