شهد العام المالي المنصرم عجزاً في الميزانية أدى لاتخاذ قرار برفع الدعم جزئياً عن المحروقات ونتج عن ذلك إرتفاع في كافة أسعار السلع والخدمات وحدثت فوضى في الأسواق المنفلتة أصلاً وبلغت معاناة المواطنين ذروتها وحدها الأقصى ومع ذلك أعلنت الحكومة في منتصف العام المالي الجاري ان الميزانية لن تشهد عجزاً فقط ولكنها ستشهد إنهياراً تاماً اذا لم يتم تدارك الموقف باتخاذ اجراءات صعبة ومعالجات إسعافية عاجلة . وأتخذت قرارات برفع الدعم عن المحروقات وقبل إجازتها وإعلانها رسمياً إرتفعت الأسعار إرتفاعاً جنونياً في كافة السلع والخدمات . ومنذ فجر الإنقاذ قبل ما يقارب ربع القرن من الزمان ظل الشعب الصابر المحتسب يتحمل المعاناة أملاً في فجر صادق يعقب الفجر الكاذب ولازال ينتظر . وظلت قطاعات واسعة تعيش تحت خط الفقر . ولا ينكر أحد أن الوطن ظل محاطاً بظروف أمنية وبؤر ملتهبة في عدة مناطق تهدأ هنا لتنفجر هناك ورغم ذلك فإن الوطن غني بموارده المالية وان ما يجمع من الجبايات والضرائب والجمارك وعائدات الموارد المختلفة والتدفقات النقدية النفطية (قبل شحها) وعائدات المعادن من ذهب أرياب وغيره قبل ظهوره الكثيف الاخير في ارجاء مختلفة من القطر . وان كل هذه الموارد المالية وغيرها لو وظفت التوظيف الأفضل ووجهت التوجيه الأمثل لمجالات الانتاج والزراعة بشقيها النباتي والحيواني والصناعات التحويلية لأضحى السودان رقماً ومارداً اقتصادياً جباراً لايستهان به ولكن المؤسف أن أمولاً طائلة لا تحصى أهدرت في البذخ الحكومي المبالغ فيه وفي تثبيت النظام وتمكينه والمؤسف أن وزارة المالية لم تعد هي المسيطرة على المال العام بل أضحت هناك ميزانية موازية لها ولا تخضع لسلطتها وسيطرتها وأصبح التصرف في المال وتوزيعه أحياناً يتم وفق مقولة برناردشو وهو يشير لشعر رأسه الأصلع (كثافة في الإنتاج وسوء في التوزيع) . وان هذا الشعب العظيم قدم من التسهيلات والتضحيات لنظام الانقاذ الحاكم ما لم يقدمه لاي عهد حكم آخر منذ الاستقلال . وكان ينبغي أن تبدأ الحكومة اصلاحاتها الإقتصادية بإعادة هيكلة أجهزة الدولة المترهلة وتقليصها مع إيقاف الصرف البذخي الحكومي المبالغ فيه وبيع آلاف العربات الفارهة وتحويل قيمتها بالاضافة للأموال المجنبة للخزينة العامة وضبط ايرادات ومنصرفات الشركات الحكومية وخصخصتها وضبط الأسواق وتحديد أسعار السلع الضرورية وأن تتدخل الدولة ولا تترك الحبل على الغارب ليبرطع تماسيح الأسواق صغارهم وكبارهم دون وازع من ضمير ودين وأخلاق ولو أحست الجماهير بجدية الحكومة لقبلت حتى ولو على مضض زيادة الأعباء على كاهلها رغم أن بعيرها قد كل من المسير العسير . وإن بعض المسؤولين يغضبون اذا سمعوا اي حديث عن الفساد ولكن رئيس مجلس ادارة احدى الشركات التي تدور حولها شبهات واتهامات كثيرة صرح في برنامج المحطة الوسطى بقناة الشروق بأن على الشركة التزامات مالية خارجية ضخمة وذكر ارقاماً مليارية باليورو تعادل اكثر من خمسة ترليونات بالجنيه السوداني الذي أضحى مهيض الجناح وهوت قوته الشرائية لقاع سحيق ويطل سؤال عن سبب غفلة الدولة طيلة سنوات عديدة حدثت فيها هذه التجاوزات وشقي الحال يقع في القيد وربما توجد شركات أو مؤسسات آخرى لو فتحت ملفاتها لشاب من هول ما بها رأس الوليد !! وأعلن بعض المسؤولين أنهم أدركوا أن في السودان طبقتين البون بينهما شاسع وان قراراتهم الأخيرة هذه تفيد الطبقات المسحوقة التي تحدثوا باستضافة عن احوالها المعيشية المتردية ولو ان هذه الكلمات رددها مسؤولون ينتمون لعهد جديد ويريدون ادانة عهد سابق لعهدهم لاضحى هذا الحديث معقولاً ومقبولاً ولكن هذه الكلمات اخذ يرددها مؤخراً مسؤولون هم جزء من نظام تحكم في شؤون الوطن لاربعة وعشرين عاماً وثلاثة أشهر وما حدث من سوء في ادارة القطاع الاقتصادي وتدوير المال وما نتج عنه من اختلال في ميزان العدالة الاجتماعية يتحملون مسؤوليته وعليهم معالجته والإعتراف بالخطأ والسعي لتصحيحه فضيلة. وبعد إعلان قرارات رفع الدعم وتنفيذها وارتفاع اسعار كافة السلع والخدمات حدثت بعض ردود الفعل وشهدت العاصمة وبعض عواصمالولايات بعص حوادث التخريب وصحب ذلك ازهاق لأرواح عزيزة بريئة وقد ادآن الشعب السوداني عمليات التخريب واستنكرها ومن لطف الله سبحانه وتعالى ان عشرات محطات الوقود قد احرقت دون ان تحدث خسائر في الارواح والأموال إذ لم تمتد السنة النيران والحرائق والتدمير للمتاجر والمساكن المجاورة لتلك المحطات التي كانت لحسن الحظ خاوية تماماً من الوقود. وبالطبع ان التعبير السلمي مكفول بموجب الدستور ولكن بعض الصدودر ضاقت عند ابداء رأي أو نصيحة ولو كانت في صالح النظام. وان المعارضة المنغمسة في صغائر الأمور والصراعات الجانبية أثبتت أنها تدور في حلقة مفرغة وأنها في واد وقضايا الشعب وهمومه في وادٍ آخر وتريد ان ينفجر الشعب أملاً منها في الوصول لكراسي السلطة ولكن الشعب السوداني اثبت انه يتمتع بقدر كبير من ضبط النفس وتصرف بعقلانية ولم يخرج في مظاهرات عشوائية تؤدي لسفك (دماء غزيرة وازهاق ارواح كثيرة عزيزة ويدخل الوطن في عنق زجاجة ويدور في بيداء التيه ويكتنفه مصير مجهول وعدم خروجه يعني عقلانيته وانضباطه ولا يعني اذعانه ورضوخه وينبغي الا يتوهم بعض الحاكمين ان الصمت الحكيم والتصرف الرصين يعني ان الشعب قدم لهم شيك تأييد على بياض والمؤكد ان هناك سخطاً عاماً واحتقاناً يقتضي ان تسعى السلطة لازالته بايجاد معالجات ناجزة وتصحيح كل الأخطاء لتستقيم المسيرة . وتزامنت احداث الأيام الماضية مع تقديم ثلاثين من المنتمين للمؤتمر الوطني لمذكرة لقيادة حزبهم نشروها عبر الوسائط الاعلامية المفتوحة وعرفوا انفسهم بانهم جماعة (تيار الاصلاح) والافضل بالنسبة لهم ان يبقوا داخل حزبهم ولا يغادروه او يتركوه من تلقاء انفسهم لانهم اذا حاولوا اقامة حزب منفصل فانه سيغدو مثل سائر احزاب الفكة ولن يعدو نشاطهم علو صوتهم الاعلامي ولكن وجودهم داخل حزبهم الحالي سيستقطب حولهم الكثيرين ولكن في تقديري ان قيادة الحزب قد تسعى لاقصاء بعض المؤثرين فيهم لئلا يكون لهم تأثير في المؤتمر العام القادم للحزب ولكنها قد لا تكترث لبقاء بعضهم او ذهابهم . وبرر بعضهم نشر مذكرتهم على الملأ بأنهم يريدون إيصالها للسيد رئيس الحزب ورئيس الجمهورية لان الحزب ليست فيه مؤسسية على حد تعبيرهم وفي تقديري إن تبريرهم هذا فيه ايضاً هدم اكثر للمؤسسية وتكريس للفردانية لأن رئيس الحزب لا يمكن ان يقرر وحده ويعمل بمعزل عن أجهزته . وقد نُشرت اسماء الموقعين على المذكرة وأذكر أن بعضهم وكل شيء موثق وموجود قد مسح الجوخ وكسر التلج للقيادة في بعض المواقف السابقة ومهما يكن فإننا نحترم عدداً مقدراً من الموقعين وندرك ثقلهم ووزنهم ونأمل ان يتمترسوا في حزبهم والا يغادروه ليساهموا مع الآخرين في احداث الإصلاح المطلوب. ونأمل أن يتواثق الحاكمون والمعارضون على تبادل السلطة سلمياً عن طريق صناديق الإقتراع ويتفقون على عدم القيام باي مواجهات من اي نوع وان يلتزموا بالأمر الواقع ويعترفوا بشرعية السلطة الحاكمة في كل مستوياتها وفقاً لنتائج إنتخابات عام 2010م مهما كان رأي بعضهم فيها ونأمل أن تتاح الفرصة كاملة للنظام الحاكم ليستقر حتى يكمل دورته في شهر أبريل عام 2015م وعلى الأحزاب أن تتفرغ لخوض الإنتخابات القادمة والتي ستجري بعد ثمانية عشر شهراً ونأمل ان يلتزم النظام باجراء انتخابات حرة نزيهة دون إستغلال لأجهزة الدولة وإعلامها وإموالها ووسائل نقلها وإتصالاتها وأن يكف ولاة الولايات ومعتمدي المحليات عن الحراك السياسي طيلة فترة الانتخابات ولا يؤثروا ويضغطوا بسلطاتهم ومعيناتهم على الناخبين ويا حبذا لو منحوا كلهم اجازات اثناء الإنتخابات وان كل مرشح لموقع رئاسي أو برلماني أو ولائي يشغل موقعاً رسمياً في الدولة ينبغي أن يمنح إجازة طيلة فترة الإنتخابات ولا يسمح له بالظهور في أجهزة الإعلام الرسمية مستغلاً موقعه في الدولة ونأمل ان تكون الانتخابات عامة تشمل مجالس المحليات والمجالس الولائية والولاة والمجلس الوطني ورئاسة الجمهورية وأن تفرز بعد إعلان نتائجها أجهزة قوية فعلية لتكون في السودان دولة مؤسسات حقيقية وقد أضر به كثيراً تسيير أموره عن طريق الدوائر الضيقة. والسودان ملك لكل السودانيين وهو ليس عقاراً يورث أو متاعاً يغتنى.