لقد شاءت الظروف أن تكون للسودان عاصمة منتشرة على مساحات واسعة بدرجة تكاد تفقدها طابع المدينة الواحدة.. وهي تمتد من أطراف جبل الأولياء شمالاً الى قرابة المرخيات شمال أم درمان، والى مناطق الجيلي في الشمال الشرقي، وسوبا في الجنوب الشرقي، ناهيك عن الامتدادات شرقاً بمناطق الحاج يوسف وشرق النيل وغرباً الى ما بعد الصالحة.. علماً بأن هذا ليس تحديداً دقيقاً للعاصمة، لكنها معالم وأسماء تفصل بينها عشرات الكيلومترات، كل هذه المساحة تحتاج الى الخدمات الحضرية وكل ما تتطلبه العواصم من كهرباء ومياه وطرق ونظافة وصرف صحي وسطحي.. لذا فإن كل الجهود التي تبذل يصعب رؤيتها بالمنظار الطبيعي، زيادة على ذلك فإن قرابة الثماني ملايين نسمة ينتشرون في هذه المساحة، وتحتاج حركتهم لمختلف المواقع والأماكن المكتبية والتجارية والحرفية والخدمية والاجتماعية، والتي ما تزال تستقطع جزءاً كبيراً من وقت كل سكان السودان، ورغم الضغوط الاجتماعية فإن الموروث السوداني من هذه العلاقات ما زال قائماً . إن حركة السكان العالية قد انعكست على المواصلات، فظلت الولاية تسعى للمعالجة أحياناً بالمراجعة المستمرة للمواقف سواء بإنشاء الجديد أو تعديل مواقعها، وإنشاء الطرق الجديدة وصيانة القائم منها بتواليها من متطلبات الحركة من إشارات وعلاقات وشمل ذلك إنشاء الكباري النيلية الجديدة والأنفاق في التقاطعات المهمة، وشمل السعي لتحسين المواصلات بإنشاء الشركة العامة للمواصلات أو ما يطلق عليها بصات الوالي، ومشروع تجديد وتحديث الحافلات والاستمرار في استيراد الجديد من بصات الميني، وتمليكها للقطاع الخاص.. ولكن الاستراتيجية الأبعد على ما أعتقد تتمثل في ادخال القطار والترام ويبدو أن القطار هو الاسبقية- وحسب رأيي فإن فكرة القطار سوف تؤدي الى نقلة كبرى خاصة إذا تمت حسب المواصفات المطلوبة، وأعتقد أن قطار الخرطوم سيكون شبيهاً بمترو القاهرة الذي ينقل أكثر من 70% من السكان، وكل من زار القاهرة يحس بعظمة مشروع المترو وشبكته التي تغطي العاصمة المصرية في طبقات وأدوار وخطوط بعضها يعبر النيل من تحته. ان النظام الدقيق الذي يعمل به المترو هناك والبنيات الأساسية التي يتمتع بها جعلته الوسيلة الأولى للمواصلات، وأصبح للفرد أن يصل الى مواقع متعددة بالقاهرة في أقل وقت ممكن وباقل تكلفة، إن تذكرة الجنيه الواحد تمكنه من استعمال عدد من الخطوط خلال التقاطعات المنظمة للجهات التي يقصدها الركاب وبنفس التذكرة في عودته. أما الخرطوم فلا أعتقد أنها مؤهلة لانشاء مترو أنفاق، وذلك لطبيعة تخطيطها وإنشائها على مساحات واسعة مما يجعل التفكير في إنشاء مترو أنفاق يحتاج الى امكانات طائلة يصعب توفرها، لذا فإن الأنسب لها هو القطار السطحي الذي لا يحتاج إلا لقضيب ومحطات ويبدو أن التجربة سوف تبدأ بتسييره شمالاً وجنوباً حسب خطوط السكة الحديد القائمة الآن، ولكن اعتقد أنه يجب أن تتوسع شبكته ولا غضاضة في أن يمر القطار بأطراف معظم الشوارع الكبيرة في عدد من الاتجاهات المختلفة بالعاصمة. إن الخرطوم ذات المساحة الواسعة تحتاج فعلاً لهذا القطار ورغم أن مهامه ستكون شبيهة بمترو القاهرة إلا أن أهميته هنا ستكون أكبر، وذلك لربطه لمناطق متباعدة فقط لأن من وضع نظاماً إداريا يمكنه من مواصلة العمل دون توقف، وفي انتظار أن يمتلئ كما هو حاصل الآن في موقف شروني، فيظل البص الدائري متوقفاً حتى يمتلئ حتى الشماعة، وبعد ذلك يتحرك وقد كان التخطيط له خلاف ذلك، وبذلك فقد الغرض الذي خصص له وهو أن يظل متحركاً في دوران دون توقف طويل، إن من عوامل نجاح مترو القاهرة ألا يتوقف بأي محطة أكثر من دقيقتين، ومن لم يتمكن من الركوب ينتظر الآخر الذي يصل سريعاً وهكذا، ويجب أن نتعلم ثقافة السرعة في الهبوط والصعود في وسائل المواصلات كسباً للوقت، وبهذه المناسبة فإن التطور يقتضي إزالة كراسي النص في البصات والحافلات، وهي أكبر معوق لسرعة المواصلات من خلال صعوبة النزول والصعود. إننا نأمل أن يكون القطار القادم جزءاً أساسياً في معالجة مشكلة المواصلات في هذه العاصمة الواسعة مترامية الأطراف.