أجمل الأشياء طرا أن يرضى عنك ربك في عسرك ويسرك.. وأن يرضى عنك في منشطك ومكرهك وفي غناك وفقرك.. وفي عافيتك ومرضك.. أجمل الأشياء طرا أن تجتمع فيك خصلتان: الصبر والشكر.. لا تجتمع هاتان الخصلتان في أحد إلا أن يكون عارفاً بالله. ولا يكون العبد عارفاً لله حقاً إلا إذا أيقن أن النعمة قد تكون ابتلاءً.. وأن الإبتلاء قد يكون نعمة. والنعمة لا يحفظها إلا الشكر.. والإبتلاء لا يصرفه إلا الصبر. وأعلى درجات الإيمان هي الرضى الكامل عن الله سبحانه وتعالى. ولا يتحقق ذلك في العبد إلا أن يكون صبره على النعمة سابقاً لشكره عليها. ولا يتحقق ذلك في العبد إلا أن شكره على الإبتلاء سابقاً لصبره عليه. فالنعمة لا يصبر عليها إلا أهل الجلادة والإيمان، والإبتلاء لا يشكر عليه إلا أهل الجلادة والإيمان.. وقد يبتلي الله سبحانه وتعالى أخواناً بأصناف من النعم وقد لا يصبرون عليها.. والذي لا يصبر على النعمة لا يؤدي شكرها. وقد ينعم الله سبحانه وتعالى على أقوام بأصناف من البلاء وقد لا يشكرون الله عليها.. والذي لا يشكر على البلاء لا يؤدي طاعة الصبر عليه. فالصبر على النعمة سابق للشكر عليها.. والشكر على البلاء سابق للصبر عليه.. والصبر على النعمة أول علامات الشكر عليها.. والشكر على الإبتلاء أول علامات الصبر عليه.. والإنقاذ إبتلاها الله بنعمة الحكم.. فهل رأت الإنقاذ في الحكم نعمة أم بلاءً؟.. فإن عدته نعمة فإن أدنى درجات المعرفة بالله الشكر على النعمة فهل شكرت الإنقاذ؟. وإن أعلى درجات المعرفة بالله الصبر على النعمة، فهل صبرت الإنقاذ على نعمة الحكم؟. وإن عدت الإنقاذ الحكم بلاءً فإن أدى درجات المعرفة بالله هي الصبر على البلاء.. فهل صبرت الإنقاذ؟. وإن أعلى درجات المعرفة بالله هي الشكر على البلاء.. فهل شكرت الإنقاذ؟. وهل تعلم الإنقاذ حصيلة الشكر وحصيلة الصبر!! أليس من المدهش أن تكون حصيلة الشكر هي الزيادة، وأن تكون حصيلة الصبر هي العطاء بغير حساب- أي أنها فوق حصيلة الشكر؟!. إن أخوف ما نخافه على الإنقاذ ليس أن يقال إنها أعطيت فلم تصبر.. أو إنها أُبتليت فلم تشكر.. فهذه مرتبة عالية سامقة- كما بينا- وأدنى منها وأخوف ما نخافه عليها حقاً أنها أعطيت فلم تشكر.. وابتليت فلم تصبر.. قال كان هذا حالها فخير منه حال كلاب بلخ.. اجتمع شقيق البلخي وإبراهيم بن أدهم بمكة فقال الناس نجمع بينهم.. وكلاهما آية في الزهد والحكمة.. واجتمعوا في المسجد الحرام فقال إبراهيم بن أدهم لشقيق البلخي: يا شقيق.. على ماذا أصلتم أصولكم؟.. قال شقيق: أصلنا أصولنا على أننا إذا رزقنا أكلنا (وفي رواية شكرنا) وإذا منعنا صبرنا.. فقال إبراهيم بن أدهم: هكذا حال كلاب بلخ!!. إذا رزقت أكلت (وفي رواية شكرت).. وإذا منعت صبرت!! فعجب لها شقيق وسأله وعلى ماذا أصلتم أصولكم؟ يا أبا إسحق؟.. قال: أصلنا أصولنا على أننا إذا رزقنا آثرنا (وفي رواية شكرنا)،، وإذا منعنا حمدنا وشكرنا. قالوا فقام شقيق وجلس بين يديه.. وقال يا أبا إسحق أنت أستاذنا. هذا هو الذي نسعى لتوضيحه في هذه المقدمة الطويلة، يقول إبراهيم بن أدهم لشقيق البلخي وما أدراك ما شقيق البلخي: أنتم مثل كلابكم ولستم خيراً منها.. فهي إذا أعطيت شكرت وإن منعت صبرت.. مع أن كلاب بلخ فيما يبدو من خير كلاب الدنيا. إن المطلوب والمرجو والمؤمل من الإنقاذ أن تكون أدهمية النظرة وأدهمية الأصول، مع أن مرحلة شقيق البلخي رغم تعريف إبراهيم بن أدهم بها فهي كافية للإنقاذ.. وليتها تنحو منحى شقيق.. أن تشكر على النعمة والصحة والعافية، وأن تصبر على المحنة والبلاء والضيق. إن الذي لا شك فيه أن الإنقاذ لما جاءت كانت أدهمية النظر وأدهمية الأصل.. ولم تكن ترضى بأقل من ذلك.. واليوم يكفينا من الإنقاذ.. أن تشكر على نعمة الحكم والسلطة، وأن تصبر على فتنة المعارضة والتمرد والاستهداف الخارجي.. أن كثيراً ممن حول الإنقاذ ليسوا من رجال أي من المرحلتين.. لا مرحلة الشكر ولا مرحلة الصبر.. أدهمياً أو شقيقياً.