خاطر ظل يخامرني كلما زرت ولاية بحر أبيض لأداء واجب عزاء أو للمشاركة في عرس (( وايه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن !!)) ، وهو هل في مقدور هذه الولاية المعطوبة أن تلحق في يوم ما بركب التنمية الخجولة التي بدأت تنتظم بعض ولايات السودان ، أنا هنا قطعاً لا أقارن بين الخرطوم وبحر أبيض الذي يفصل بينهما أقصى تفاصيل النقيض حالاً ومآلاً ، ولكني أقارن بينها وبين ولايات الشمالية والبحر الأحمر وإلى حد ما الجزيرة والنيل الأزرق , والمقارنة هاهنا لا تقوم على معايير المفاضلة بين الإمكانات الكامنة وهامش الفعل والانجاز ولا تقوم كذلك على المقومات الذاتية المؤهلة للنهوض هنا وهنالك , ولا تقوم كذلك على الحظوظ المتفاوتة التي تمنحها أقدار الله لمنطقة دون أخرى .. ولكنها تقوم على مدى نجاح جهة دون أخرى في استكشاف ميزتها النسبية والعمل على ترقيتها قدر الإمكان .. وهل الذي يعجز عن إزالة رفاة الحيوانات الميتة الملقاة على إمتداد الطريق وإماطة الأذى الناتج عنها بقادر على إجتراح مسار آمن للتنمية والتطوير .. سؤال إعتراضي يطل بإلحاح ..!! ولأني لست هنا في معرض رصد المثالب والثقوب الغائرة في بنية الولاية الرحيبة .. التي تتراوح بين ضعف البنى التحتية واهتراء شبكة الخدمات، وسوء التراتيب، واختلال الأولويات، وتتجاوزها إلى حدة التنافس على دوائر النفوذ والسعي للاستئثار بمراكز التأثير والقرار، بالإضافة إلى هشاشة المؤسسات »تدابيراً وقيماً وسياسات« ولكني وحتى لا أقصم ظهر الولاية الحبيبة أقفز فوق كل ذلك لأناقش مسألة الوعي بالمزايا النسبية، والعمل عليها .. حيث ظلت بحر أبيض واحدة من العلامات المضيئة في مسيرة التعليم على مستوى السودان، ومثلت منذ قديم الزمان رافداً خلاقاً يغذي مدارس العلم ومراكز الوعي بأفضل الكوادر .. ولكن كل ذلك لم ينعكس على بيئاتها الراسفة في الجهل وارتفاع نسبة الأمية .. هذا فضلاً عن إنعدام الرؤى الاستراتيجية بشأن الإستثمار في التعليم، وجعله مدار ميزتها النسبية إذ يكفي أن حظها من التعليم درجة ونوعاً كماً وكيفاً يتناقص مع حجم المقدرات البشرية التي تزخر بها الولاية ملمح آخر يشير إلى ضعف الاهتمام باستكشاف المزايا النسبية لبحر أبيض ، هو أن الولاية الواسعة نطاقاً وأخلاقاً ضمت في جغرافيتها الحيوية منذ أمد بعيد عددًا من المشروعات ذوات الطابع القومي ، ومع أن حظها من عائدات هذه المشروعات لا يعدو أن يشكل رقماً ذا بالٍ لكنها مع ذلك لم تساهم في إنتزاع بعض المكتسبات التي توفرها المسؤوليات الاجتماعية لشركات ومصانع السكر على سبيل المثال الذي نرجو أن يكون واقعاً ، وبهذه المناسبة لابد من الإشادة بشركة شيكان لإنفاذها مشروع الشواخص المضيئة الذي يغطي إمتداد الطريق الرئيس إلا قليلاً والذي أسهم بلا مراء في تقليل الحوادث وتخفيف حدتها وهي مرجوة لفعل المزيد .. أما كنانة وأخواتها فلم يزل العشم معلق عليهن في إنتظار عمل مؤثر ومثمر سواءً كان ذلك بتصميم برامج لكفكفة غلواء الفقر والعوز، أو بناء مشافي متطوّرة وخيرية في آن معاً .. وإعطاء الأولوية في توظيف أبناء الولاية .. ونحو ذلك مما تجود به قرائحهم المستنيرة .. ويبقى الأمل معقود بنواصي العمل في تثوير الأوضاع البالية، واجتراح الرؤى الناهضة، وإدارة السياسة على نحو راشد !! يوظف طاقات القبيلة كوحدات جذب فاعلة ويخضعها للمصلحة العامة، ولا يبدد ما هو عام في سبيل أجندات خاصة .. يبدو هذا كحلم بعيد المنال لكن عزاؤنا أن الحلم نفسه شيء قابل ليرى النور!!