شيخنا ومولانا إبراهيم السنوسي خالص الود لك وعاطر التحايا منا وخالص التوقير والاحترام.. واليوم نقول سلاماً ووداعاً.. اليوم نمطر «حركتكم الإسلامية» بآخر ذخائرنا ونأمل بل نرجو من مالك الملك أن يصبح أعضاؤها مواطنين مثلنا تماماً.. وأن يكون وداعهم لصولجان السلطة وكراسي السلطان آخر وداع ليتذوقوا معنا الرهق و«المكابسة» للمعايش وبما أنه اليوم الأخير دعنا نعرض لك بعض «المناظر» وليس الفيلم الذي أداره الأحبة في الحركة الإسلامية لمدى ربع قرن من الزمان.. ودعنا نبدأ بتلك الرايات المكتوبة عليها النبوءات الجريئة.. والأحلام الشاهقة والآمال العريضة التي وضعتها الحركة الإسلامية على سارية الوطن قبل أربعة وعشرين سنة وتزيد.. وبيارق تحمل من البشارات الشاسعة حتى ظن الناس إنكم حتماً وصدقاً وحقاً سوف تعيدون أيام الخلافة الراشدة المزهوة.. وحتماً أنوفنا سوف «تشم» عطر ومسك «يثرب» وحتماً ستغمر السودان أضواء المدينة تلك القدسية.. فقد جاءت الحركة الإسلامية إلى الحكم بدعاوى كبيرة ووصفات خلابة وزعموا إنهم لن يناموا إذا عثرت بغلة في طمبرة أو طويلة أو حلفا أو حلايب فماذا كان الحصاد. شيخنا الجليل.. لن نكتب لك بالتفصيل عن حصاد الحركة الإسلامية.. لن ننبش أو نفتح جراحات ما زالت تنزف.. ولن «نعوم» في نهر الأحزان بل نهر الدموع ولن نجتر أحداثاً بطعم الحنظل.. لن نكتب لك حرفاً واحداً من الحصاد المر عن الاقتصاد.. لن نسطر سطراً واحداً عن جحيم الحياة ونيران أتونها المشتعل الذي يصطلي به الفقراء من أبناء الشعب.. لن نكتب عن أناشيدكم التي انتحرت على صخور الواقع وكيف كنتم تمنون الناس بأنهم سيرون أناشيدكم تمشي على قدمين من «عينة» «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع».. لن نحدثك عن «ما دايرين دقيق فينا قمحنا كتير بكفينا».. لن نتطرق إلى الأيتام التي من هول جيوشهم صارت تتصدر الطرقات ومساطب الأفران صناديق الدعم والمؤازرة كناية عن ضخامة جيوشهم.. ولكن نحدثك فقط عن الذي قامت من أجله أو أنشئت من أجله حركة الإخوان المسلمين في كل بقعة في الكوكب.. نحدثك عن الحصاد المر الذي نحصده بكفوفنا الأيام هذه.. أرأيت بالذي حل بالمشروع الحضاري وتركيبة المجتمع.. إن الحديث عن الذي نحصده الآن يشق الكبد ويفري الفؤاد.. أنا لا احتمل مجرد سرد جداول منه فقط عليك أن تراجع صفحات الصحف.. لترى بشاعة الذي حل بشبابنا.. من جرائم يشيب لها رأس الوليد.. وعن المخدرات وذاك الغناء الهابط المبتذل بل المنحط.. عن الفساد الذي تشكل له المفوضيات واللجان.. قبل الوداع يا شيخنا.. دعني أقول لك في أسى.. وحزن وبكاء.. إن كل ذاك الحصاد «كوم» يهون كثيراً عن كارثة انفصال الجنوب التي تمت في عهد حركتكم الإسلامية.. أنا ما زلت أبكي بدموع الخنساء على ذاك الجزء العزيز من الوطن الذي انشطر والدم ينزف من كل ذرة تراب أو نيل.. أو رمل أو حتى صفق أشجار.. ما زلت أذكر ليلة النحر تلك والإخوة في الجنوب يرفعون عالياً علم بلادهم على سارية قصرهم.. ما زلت أذكر كيف أقمت في داري مأتماً وعويلاً.. ما زلت أذكر كيف كان «بيتنا» «بيت بكاء» وحتى بعد أن «رفعنا الفراش» أذكر جيداً إني قد جمعت أبنائي «ولدين وبت» ثم قلت لهم والأسى يملأ فؤادي.. اسمعوا إن هذا ليس رجاء هو أمر واجب التنفيذ.. إذا طلب منكم رسم خريطة السودان الآن أو الحالية أرسموا خريطة السودان تلك التي تبدأ من حلفا للغابات وراء تركاكا، أرسموها حتى وإن كان ذاك الامتحان يتعلق بمصيركم الدراسي والعملي.. ستنالون صفراً ورسوباً في الإمتحان وأيضاً ستنالون الدرجة الكاملة من الوطن الجميل النبيل.. شيخنا.. مع السلامة ولك تحياتي.. وأسأل الله خاشعاً إن يكون حديثك عن اقصاء الحركة الإسلامية واقعاً وصحيحاً.. وعندها سوف نتقدم خطوة نحو الإنقاذ.