أعجبني تقرير نشر بموقع «العربية نت» للمحرر المصري «طلعت المغربي» قبل عامين إلا قليلاً من الآن، وتحديداً في السادس والعشرين من شهر يناير عام 2012م.. وكان أن تناول السرقات الأدبية، وادعاء ملكية الأفكار و النصوص، متطرقاً لأهم المتهمين من الكتاب والأدباء، وحتى شعراء العرب.. الاتهام طال صاحب الأيام الأديب المصري طه حسين، والكاتب الصحفي المصري محمد مندور، والذي جمعته صلة عمل في ذات الوقت بالأديب طه حسين، والذي كان أن أوصى بتعيينه في جامعة الأسكندرية عند تأسيسها في العام 1942م. ولمعرفة السرقة الأدبية.. فهي تعني الأخذ من كلام الغير، إن كان بعض المعنى أو بعض اللفظ، أي أن يسطو على ذلك اللفظ أومعنى ثم يدعي ذلك لنفسه.. وينسبه لقلمه ويدعيه فكرة خاصة به.. والواقع أن انتزاع الفكرة من منشئها وصاحبها جناية لا تقل عن جناية سرقة الأموال والتمتع بها كصاحبها ومالكها.. فالمبدع والمفكر والمطور.. نجد أن رأس ماله في الحياة هو أفكاره - على قول حبيبنا ربيع طه - «جلكسته». المهم أن صديقنا المغربي افتتح تقريره بهذه الجملة:«هناك خيط رفيع بين الحقيقة والخيال، والعبقرية والجنون، و بين السرقة الأدبية وادعاء ملكية الأفكار والنصوص». واستدل المحرر بالكاتب المصري د.محمد الجودي، الذي تحدث عن هذا الموضوع من باب المتخصص والملم بحقوق الملكية الأدبية والفكرية.. وهو الذي أبدى تعجبه من قضاء السرقة على اسم صاحبها في أروبا وأمريكا فلا يصبح له مكان بين العلماء والأدباء.. أما في مصر والعالم العربي فإن السرقة ترفع من شأن صاحبها كثيراً لتشكل له مساحة من الشهرة لم يحظَ بها المبدعون الحقيقيون، بل إنهم ينالون استحسان النقاد. وفي السودان نجد أن هناك حالات عديدة طالت أعمال كبار أدبائنا وشعرائنا ومطربينا حتى، من «التناص» والتي نأخذ فيها نصاً نريده من كاتب أو صاحب فكرة، ونضعه في نص جديد.. أو نأخذ نصاً وننسبه لأنفسنا وهذا ما يسمى «تلاص»، وهو الأسوأ حالاً من التناص بالتأكيد.. وبحسب المحامي مصعب الجزولي في مقال نشر بموقع «سودانايل» بداية ديسمبر، والذي تطرق فيه لمسألة اتفاقية بيرن للمصنفات الأدبية منذ عام 2000م وتوقيع السودان عليها، مما يعني أن الأعمال السودانية مكفولة بالحماية خارجياً بالاتفاقيات.. وضرب فيها مثالاً بكاتب سعودي مشهور يوسف المحيميد في روايته«فخاخ الرائحة»، وهي الرواية الفائزة بجائزة ألزياتور الإيطالية للآداب، وقد تسلم مؤلفها الجائزة في حفل كبير أقيم على مسرح المتحف الكبير وسط مدينة كالياري الإيطالية.. وهذه الجائزة تعد من أشهر الجوائز الأدبية في إيطاليا.. المحيمد هذا قد تلاص على نص سوداني قديم للروائي السوداني الطيب الزبير من رواية«سالم ود السما»، وقد تطرق لهذه السرقة الأديب الأردني خالد السلماوي في مقاله «فخاخ الرائحة» رواية تناص أم تلاص ؟! وهو يعقد مقارنة بين النص الأصلي والتقليد.. فيوصل القارئ بأسلوب سلس إلى اكتشاف حالة التلاص بنفسه. تلاص الدباء على الراشدي وتحضرني أيضاً السرقة الشهيرة التي قام بها كاتب يمني يسمى سالم الدباء في العام 2008م وفوزه بجائزة الأدباء الشباب ب«وجع الرمال» وقد فاز بها مناصفة مع كاتب يمني آخر.. واتضح بعد التقصي من صحيفة يمنية أن هذه القصة هي في الأصل ملك لكاتب مغربي يدعى عبد العزيز الراشدي.. وهي التي نشرت قبل «تلاص» سالم الدباء بثلاث سنوات في مجلة العربي الكويتية.. كما سأعطيكم مثالاً آخر لسرقة هزت عرش أديب المملكة العربية السعودية وأميرها د.غازي القصيبي،وصاحب الأصل فيها هو الدكتور السعودي عبدالرحمن الهواوي.. وهو الباحث والخبير في أشعار أبوالطيب المتنبئ، حتى أنه نشر كثيراً من الكتب عنه.. الهواوي كان قد أرسل للقصيبي في عام 2004م حواراً أجراه مع المتنبئ، فيقوم الهواوي بطرح سؤاله على شاعرنا الكبير، ليرد عليه المتنبئ ببيت من أشعاره.. وكشف د.عبدالرحمن سعود الهواوي أن القصيبي قام بسرقة فكرته عبر كاتب كويتي معروف كان يعمل قبلاً بصحيفة «الوطن» يدعى سالم الدوسري، وأوضح بأن مجلة «المجلة العربية» نشرت نفس الفكرة ولكنها استضافت د.غازي القصيبي بدلاً عن أبوالطيب المتنبئ، وسميت بالدوسري يسأل والقصيبي يجيب ببيت للمتنبئ، وكان هذا بعد أربعة أعوام على نشر الهواوي يسأل والمتنبئ يجيب ببيت شعر..! السودان وال«تلاص» على عينك ياقارئ السودان به كثير من تلك السرقات والاستلاب وحالات التلاص والتناص.. فبعض من التقارير الصحفية تتداخلها معلومات كاملة النص دون الإشارة لمصدرها.. ونحن نعرف أن الإنترنت جعل هذا الأمر سهلاً، فما عليك سوى نسخ النص، لتضعه في ملف جديد يحمل اسمك وملكيتك.. و ينشر على أنه تقرير خاص بالصحفي فلان الفرتكاني.. ولنا أمثلة لا حصر لها.. مما يعني أن الخواء الفكري و الثقافي أصبح محيطاً بعقول من يحسبهم البعض نخبة..! وهم نخبة ولكن بعرق وحبر غيرهم.. وبين يدي هنا مثالان لنص واحد مع اختلاف اسم المستضاف.. هذه فنانة نشر لها حوار بصحيفة رياضية، وتلك أخرى بصحيفة اجتماعية.. مع فارق زمني «يومان فقط».. نفس الأسئلة وكذلك الإجابات.. وأيضاً تقرير خاص بصحيفة آخرلحظة للزميلة أميمة حسن بالقسم الاقتصادي، بتاريخ 21 ديسمبر العدد (2620) بالصفحة الخامسة،لينشر بعدها بثلاثة أيام في صحيفة ورقية اقتصادية صدرت حديثاً، وهو عبارة عن «كوبي، بست» حتى أن تلك الصحيفة لم تشر لمصدر التقرير أو اسم كاتبته.. وأيضاً حمل ذات العدد «مانشيتاً» خاصاً بصحيفة آخرلحظة، وهو لخبر خاص بالزميل عمار محجوب، وقامت ذات الصحيفة بنشره مانشيتاً..! والخبر حمل اسم صحفي آخر.. مع أن الخبر «كوبي، بست»..إلا إذا كان صاحب تلك الصحيفة يعتبر مثل هذا العمل نوعاً من «الفلاح» والنجاح..!! الأستاذ غسان عثمان الباحث ومدير التحرير ومسؤول النشر بهيئة الخرطوم للصحافة والنشر، كان قد أشار سابقاً أن الحق الأدبي مفقود تماماً وسببه وجود حق الآخرين و سهولة المعلومة التي تأتينا عبر الإنترنت.. مما يجعل الكسل العقلي والفكري يطغى على الملكة الحقيقية للكاتب وهو الأمر الذي تؤسسه القراءة والثقافة والإطلاع.. عدد من الصحفيين يشير لما اقتبسه من نص أو جملة لصاحبه الأصلي أو الموقع الناشر.. في حين أن بعضهم يقوم بنشر النص كاملاً منسوباً لاسمه، هاضماً حق صاحب الأصل والفكرة.. وبسبب طيبتنا نحن السودانيين نترك الأمر دون كشفه، رغم أن الأمر يقع تحت طائلة القانون، ومن تلاص على الآخر، فهذا مايقع تحت مسؤولية مجلس صحافتنا الموقر واتحادنا، حتى لا يزدحم عقلنا بأفكار هي ذاتها مكررة ولكنها تحمل عدة أسماء.. منها بالطبع اسم خالٍ وخاوٍ فكرياً..