المحامي- قيادي بالحزب الديمقراطي الأصل نواصل ماإنقطع عن نشأة نظام المجلسين في انجلترا ..وتطرقنا في الجزء الأول للدستور الانتقالي لسنة 2005م .. (أ)في القوانين العادية (التشريع ) : تذهب بعض الدساتير إلى حرمان المجلس الأعلى من حق اقتراح القوانين وعرض مشروعات القوانين أولاً على المجلس الأدنى ، ولكن أغلب الدساتير تسوى بين مجلسي البرلمان في حق الاقتراح وتجيز عرض مشروعات القوانين أولا على أي منها وإن كانت عند الخلاف بين المجلسين تجعل الكلمة النهائية في اقرار مشروع القانون للمجلس الأدنى إذا ما أعاد الموافقة عليه بأغلبية خاصة ، أي أنه لا تكفي في هذه الحالة الأغلبية العادية . (ب)في المسائل المالية (الموازنة) : تقل اختصاصات المجلس الأعلى في المسائل المالية عن اختصاصات المجلس الأدنى . ويصدق ذلك حتى في الدساتير التي تأخذ - كقاعدة- بمبدأ المساواة بين مجلسي البرلمان في مجال القوانين العادية . (ج)المسؤولية السياسية للوزارة في النظام البرلماني : تكون عادة أمام المجلس الأدنى الممثل للشعب ، فليس للمجلس الآخر أن يسحب الثقة من الوزارة وفي المقابل لا يجوز حله . (د)وثمة نوع من الارتباط بين اختصاص المجلس الأعلى وطريقة تكوينه . فأغلب الدساتير الحديثة التي تأخذ بنظام المجلسين تتجه - نتيجة تقدم المبادئ الديمقراطية - إلى تكوين المجلس الأعلى على أساس ديمقراطي ، وهو ما يسمح بتحقيق نوع من المساواة بين المجلسين في الاختصاص . إلا أن هذه الدساتير مع الحرص على اعطاء اختصاصات فعلية للمجلس الأعلى ، لا تحقق المساواة التامة بينهما ، منعا من تعطيل العمل التشريعي ومن تكرار الرقابة على الحكومة . أما عندما يتكون المجلس الأعلى على أساس غير ديمقراطي ، فمن الطبيعي أن يكون مجرد مجلس استشاري . ثالثاً : مزايا نظام المجلسين : يرى أنصار نظام المجلسين أن له عدة مزايا يمكن اجمالها فيما يلي :- (1)تمثيل الطبقات والمصالح المختلفة : ففي الماضي كان الغرض من المجلس الأعلى تمثيل الطبقة الممتازة اي الارستقراطية التي تفوق مصالحها في الدولة أهميتها العددية . ولذلك يرى الكثيرون الاحتفاظ بنظام المجلسين ، لا لكي يمثل المجلس الأعلى فئة معينة بل لكي يمثل كل منهما مجموع الشعب أحدهما يمثل أفراده بصفتهم أفراداً بصرف النظر عن مركزهم الاجتماعي أو الاقتصادي ويمثل الآخر جميع المصالح في الدولة كالصناع والتجار والعمال والفلاحين ورجال الأدب والعلم والجامعات ورجال الدين .. الخ ، اي تمثيل المصالح . كما أن هذا النظام يجعل البرلمان أكثر تمثيلاً للرأي العام باتجاهاته المختلفة الاتجاه المحافظ والاتجاه إلى التجديد ، ذلك أن أحد المجلسين سوف يمثل حماس الشباب وجرأته والآخر يمثل حكمة الشيوخ واتزانهم . (2)نظام المجلسين يؤدي الي رفع مستوي اعضاء المجالس النيابية ويسمح بسد النقص في الكفاءات داخلها ، لأن الأخذ بالاقتراع العام مع تقدم الديمقراطية جعل انتخاب النواب بيد جماهير العامة التي لا تتوافر لديها المقدرة الكفاءة لحسن الاختيار . وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستوى كفاءة وخبرة أعضاء البرلمان ، فضلا عن أن كثيرا من رجال العلم وأصحاب الخبرة والكفاءة يعزفون عن دخول الانتخابات أو قد يعجزون عن الفوز فيها ، لذا فإن نظام المجلسين يسمح بمد المجلس الأعلى بذوي الخبرة والكفاءة عن طريق التعيين أو باشتراط شروط خاصة في الناخبين والمرشحين له . (3)نظام المجلسين يسمح بتفادي الخطأ أو التسرع . وهو ما يؤدي إلى الجودة والاتقان في العمل التشريعي ، ذلك لأن اعادة مناقشة القانون في مجلس آخر تكفل التروي وزيادة التمحيص بحيث يتلافى ما قد يقع فيه المجلس الأول من خطأ أو انقياد لعاطفة وقتية عارضة . حقاً أنه يمكن في نظام المجلس الواحد معالجة الخطأ بوضع قانون جديد ، بيد أن ذلك يحتاج إلى وقت كما أن المجلس قد يتردد في الاعتراف بالخطأ حفظا لكرامته . كذلك لا يكفي اشتراط الموافقة على مشروع القانون في قراءات أو تلاوات متعددة في المجلس الفردي . ذلك لأنه إذا وافق المجلس على المشروع في القراءة الأولى فإن القراءات التالية هي لمجرد الشكل ، فهي غير مجدية . (4)نظام المجلسين يمنع استبداد البرلمان . فقد أثبتت التجربة أن المجالس النيابية تميل إلى توسيع سلطاتها واساءة استعمالها . فاذا كان البرلمان مكوناً من مجلس واحد لم يكن ثمة ما يوقفه عند حده أو يخفف من غلوائه . وقد قيل ( ان التقسيم يلطف من شدة الحماس البرلماني ويكفل استقرار الحالة المعنوية للأعضاء) . ولذا حرصت كثير من الشعوب على الحد من سلطاتها التشريعية بتقسيمها . (5) نظام المجلسين يخفف من حدة النزاع بين البرلمان والسلطة التنفيذية ففي ظل نظام المجلس الفردي قد يقع بين المجلس والحكومة نزاع لا يجد له حلا الا بنوع من الانقلاب الدستوري . اما ازدواج مجلسي البرلمان فيساعد على الوصول الي حل سلمي لأنه في حالة الخلاف بين أحد المجلسين والحكومة يمكن للمجلس الآخر أن يقوم بمهمة التوفيق ، وهو بتأييده لأحد طرفي النزاع انما يدعم مركز هذا الطرف مما يحمل على الاعتقاد بأنه على حق بحيث يسهل حمل الطرف الآخر على العدول عن موقفه . 6- نظام المجلسين من مقتضيات الاتحاد الفدرالي ، على ما سبق ، وذلك لحفظ التوازن بين مصالح الاتحاد ومصالح الولايات فيوجد مجلسان احدهما يمثل مظهرا من مظاهر الوحدة ويعتبر الآخر مظهرا لاستقلال الولايات بحيث تمثل فيه بصفتها هذه وعلى قدم المساواة كقاعدة عامة . رابعاً : انتقادات نظام المجلسين (ومزايا نظام المجلس الواحد) : لنظام المجلسين مزايا عديدة ، إلا أنه قد وجهت إليه انتقادات نجملها فيما يلي :- (1)قيل أن نظام المجلسين يتعارض مع مبدأ وحدة سيادة الأمة وعدم قابليتها للتجزئة . وهي حجة واهية اختلط على أصحابها الأمر . فازدواج مجلسي البرلمان لا يؤثر في وحدة سيادة الأمة أو في وحدة ارادتها العامة . كما لا يؤثر فيها تعدد أعضاء المجلس الواحد . والواقع أن مجاراة منطق هذه الحجة يمكن أن يؤدي في النهاية إلى القول بأن الإرادة الواحدة للأمة يجب أن يعبر عنها شخص واحد ، وهذه نتيجة خطيرة لأنها تعني تبرير نظم الحكم الفردي ، اي الملكية المطلقة والدكتاتورية . (2)يشكك البعض في فائدة نظام المجلسين من الناحية الفنية . فازدواج الهيئة التشريعية لا يضمن ، في نظرهم جودة العمل التشريعي واتقانه وذلك لأن هذا النظام قد يغري أحد المجلسين بالموافقة دون تمحيص على قوانين معينة يقترحها أعضاؤه اعتماداً على إعادة مناقشتها في المجلس الآخر ، ومن ثم لا تتحقق الفائدة المرجوه من نظر مشروعات القوانين في مجلسين . (3)إن ازدواج الهيئة التشريعية قد يؤدي إلى النزاع بين المجلسين ويرد على ذلك بأن التاريخ يشهد على أن النزاع بين المجلسين الفردي والحكومة أكثر خطورة وأكثر حدوثاً من النزاع بين مجلسي البرمان . والواقع أن الاختلاف في الرأي بين المجلسين أمر لا مناص منه والمناقشة ضرورية حتى تتحقق مزايا نظام ازدواج الهيئة التشريعية والمشاهد أن الاختلاف لا يدوم طويلاً ، فغالباً ما ينتهي المجلسان إالى حل وسط يوفق بين الآراء المتعارضة عن طريق تشكيل لجنة مشتركة أو اجتماعهما في هيئة مؤتمر مشترك أو عن طريق نزول المجلس الأعلى على رأي المجلس الآخر باعتباره أكثر تمثيلا للشعب . واذا اشتد الخلاف فإنه يلفت إليه نظر الرأي العام ، وبتأييد الرأي العام لأحد المجلسين ترجح كفته مما يحمل المجلس الآخر عادة على الاذعان . ويمكن حل البرلمان أو على الأقل مجلسه الشعبي (وهو الغالب) واجراء انتخابات جديدة للوقوف على رأي الشعب ، ويتعين النزول على رأي المجلس الجديد في موضوع النزاع . ويمكن كذلك حل الخلاف إذا ما نظمت اختصاصات المجلس الأعلى في مجال التشريع بحيث يقتصر على حق اعتراض توقيفي يمكن للمجلس الشعبي أن يتجاوزه بالموافقة على القانون من جديد بأغلبية خاصة . وعلى ذلك فالخلاف في الرأي بين المجلسين طبيعي إلا إذا كان أحدهما صورة طبق الأصل من الآخر ، وهو أيضا أمر ضروري لأنه يؤدي في النهاية إلى اظهار الحقيقة وسن أفصل القوانين وأكثرها اتفاقاً مع الصالح العام . يتبين مما تقدم ضعف حجج أنصار المجلس الفردي وتفوق نظام المجلسين عليه في المزايا . وقد فضلت الغالبية العظمى من الدول الحديثة نظام المجلسين . وحتى تلك الدول التي جربت المجلس الواحد عدل كثير منها عنه إلى نظام المجلسين . وأخيرا فان نظام المجلسين لا يتعارض مع الديمقراطية وانما يتفق معها خاصة اذا أخذنا بمفهوم الديمقراطية القائم على فكرة سيادة الأمة بحيث لا يكون وجود المجلس الثاني عقبة في سبيل الديمقراطية بل هو وسيلة لضمان احترام الارادة الحقيقية للأمة لا إرادة طارئة تحركها الحكومات متى أرادت وكيف شاءت . ختاماً .. لابد من إلغاء الباب الرابع (الهيئة التشريعية القومية) والاستعاضه عنه ببابين جديدين بحيث يفرد لكل واحد منهما باباً قائماً بذاته من حيث الرئاسة ، طريقة اختيار الأعضاء ، مدة العضوية ، والشروط الواجب توافرها في أعضاء كل من المجلسين بالاضافة للإختصاصات المحددة دستوراً . وهذا لا يمنع من أن يجتمعا سوياً في شكل مؤتمر لمناقشة بعض المسائل العارضة . إذا ما تم هذا نكون قد أرجعنا نظام المجلسين إلى أصل الفكرة وتفادينا كل المظاهر السالبة التي صاحبت أداء الهيئة التشريعية القومية في ظل الدستور الحالي لسنة 2005 . مع خالص الشكر والاحترام