عندما وقع انقلاب هاشم العطا بتاييد من الشيوعيين وأوشكوا أن ينهوا حكم النميري قال وكيل وزير الخارجية السعودي آنذاك مخاطباً وفود الجبهة الوطنية في جدة: لقد كنا نبكي من النميري فأصبحنا نبكي عليه.. وبالرغم من أن الأخ الرئيس وعدنا في خطابه المشهور في القضارف بعد إعلان نتيجة الاستفتاء وتأكيد الانفصال أنه لا دغمسة بعد اليوم، فها نحن نقول له ولأهل الإنقاذ جميعاً بعد خطابه الأخير يوم الاثنين الفائت: لقد كنا نبكي من الدغمسة فأصبحنا اليوم نبكي عليها!! كنا نقاتل من قبل من أجل التطبيق الكامل للشريعة وها نحن اليوم نكاد نقاتل من أجل الدغمسة والتطبيق المشوّه والوعود المعسولة.. هل تعلم الإنقاذ وهل يعلم منظروها ما هو حصاد ربع قرن من الدغمسة والانبطاح؟ لو كنت يسارياً أو ماركسياً أو ليبرالياً أو من دعاة الديمقراطية، لقلت إن حصاد الإنقاذ بعد ربع قرن من الزمان هو تشويه الإسلام.. والإنقاذ لم تشوه الإسلام - حاشا لله- ولكنها شوّهت سيرتها وسجلها وتاريخها واكتسبت من الذنوب والمآثم ما لم تكتسبه الحكومات الوطنية منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا.. هل تريدون دليلاً على هذا؟ هل قرأتم في الانتباهة عدد أمس الأربعاء الخبر الذي مفاده أن قوى التحالف الوطني الإسلامي أجرت تعديلاً في الاسم بعد استلام حامد تورين الأمانة العامة وحذفت كلمة الإسلامي وأضافت كلمة للتغيير، ليصبح اسم الجسم الآن قوى التحالف الوطني للتغيير.. وهاكم مبرر الأستاذ حامد تورين لإجراء هذا التعديل الذي يسميه الأخ حامد دون قصد منه ودون فهم لمدلولات الألفاظ تغييراً، يقول حامد تورين: إن الأسباب التي دعتهم لإجراء ذلك التغيير هو أن العديد من الناس يعتبرونهم جزءاً من النظام الحاكم الذي جعل كلمة إسلامي منفرة وطاردة.. والأستاذ حامد تورين بقوله هذا يقيم الحجة على نفسه وعلى كل من ركن إلى الدعة وإلى المعارضة الناعمة، بل إلى المعارضة التي تقرب إلى الكرسي.. وتقود إلى الثراء. ماذا فعلتم يا تورين طيلة ربع قرن من الزمان لتمنعوا هذا التشويه وهذا العقل الأثيم؟! دعك من كل هذا يا تورين هل إذا ارتشى حاكم أو والٍ، وإذا زنا عابد أو عالم أو سرق شريف ينتهي نسبه إلى هاشم بن عبد المطلب.. هل يقدح ذلك في الإسلام؟ إن الذي جرأ الإنقاذ على الإسلام طيلة ربع قرن من الزمان هو أمثال هذه القيادات التي لا تفرق بين التغيير والتعديل.. ومن أراد أن يعرف مدلول مفردة التغيير فعليه بكتاب الله المحكم ليرى كيف ضبط معناها وكيف تأنق في استخدامها لاشك أن كفلاً مما باء به حامد تورين وأشباهه يقع على كاهل الإنقاذ بل هي تبوء بالنصيب الأكبر منه. وبالرغم من أن تورين أخطأ في موقفه هو واختياره هو.. إلا أنه قطعاً لم يخطئ في تقييمه لموقف الإنقاذ.. اقرأوا معي مانشيت آخر لحظة لذات اليوم الأربعاء: الشيوعي يتمسك بشروطه والأمة يحدد خارطة طريق والاتحادي يعتبر الوثبة تحولاً كبيراً.. بالله عليكم تصوروا بعد ربع قرن من حكم الإنقاذ، بل من حكم الحركة الإسلامية، ورغم الضجيج والعجيج والجعجعة والقعقعة يطل في السودان حزب شيوعي يجد في نفسه الشجاعة والوقاحة أن يعلن عن نفسه ويتمسك بشروطه.. ويهدد ممثله يوسف صديق بأن الإنقاذ إذا لم تستجب لشروطه فلا حوار معه «أي النظام» وخيارنا العمل لإسقاطه.. بالله عليكم تصوروا أنه بعد ربع قرن من حكم الحركة الإسلامية نرى ونسمع شخصاً سودانياً لا يخجل ولا يتوارى من نسبته إلى الشيوعية.. إذن فقيادات الحركة الإسلامية هي التي يجب أن تتوارى وتخجل لأنها لم تستطع أن تقدم من الإسلام شيئاً إلى الدنيا ولا إلى أهل السودان، بل قدمت صورة منفرة وطاردة وهي تعلم أنها لا تقدم الإسلام.. بل تقدم كل ما نهى وحذر ونبه إليه الإسلام.. فماذا يظن أهل الحركة الإسلامية الذين هم في الحكم والذين هم خارج الحكم.. ماذا يظنون؟! «ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون* ليوم عظيم* يوم يقوم الناس لرب العالمين*» المطففين 4-6 هذا ما كان من أمر المطففين في الميزان.. فما حال المطففين في دين الله وفي شرائعه وفي أحكامه؟ ورغم كل هذا فإن قيادات الحركة الإسلامية لا زالت تدفن رأسها في الرمال حتى يقول الفاتح عز الدين رئيس المجلس الوطني:«إن كل السودانيين بالفيسبوك وتويتر راضون عن الخطاب».. نحن نقول للأخ الفاتح عز الدين بكل ثقة وبكل ألم وبكل أسى وأسف، إن هذا الخطاب أدى إلى انخفاض مريع في شعبية الإنقاذ -ما تبقى منها- التي كان يحفظها لها الأخ الرئيس يوم تواري نكرات الإنقاذ ونكرات الحركة الاسلامية خلف شعار الشجرة- رمز الرئيس- ولولا الشجرة ولولا أمر آخر لسقط أكثر من خمس أو ربع مرشحي الحركة الإسلامية والإنقاذ. أخي الفاتح عز الدين لو أردت لجمعت لك سخريات الفيسبوك وتويتر والواتساب لتعرف المستوى المريع الذي وصل إليه حال الإنقاذ والحركة الإسلامية.. أيها الحالمون.. أيها الواهمون.. أيها السادرون.. هبوا من سباتكم وانتبهوا من غفلتكم.. فإنكم والله لميتون.. ثم إنكم مسؤولون ومحاسبون.. ثم إنكم والله لمبعوثون من بعد الموت ومعروضون ومحاسبون.. ومقررون.. وإني والله لأفرق وارتجف من أن تعرض علي صحيفتي يوم القيامة وفيها شيء من الدغمسة والانبطاح والمواطنة والديمقراطية وإهمال الشريعة والإعراض عنها.. أو مجرد تأخيرها ليوم أو يومين بل لساعة أو ساعتين.. إن في هذا الخطاب لغزاً لا بد أن ينكشف يوماً ما وإن كنت أود لو أنه انكشف على يد الأخ الرئيس.. ولوددت لو أنه نكل بمن تسببوا له ولنا في كل هذا الحرج.. ولوددت لو أنه شرد بهم وجبر كسر الوطن.. وطن الشريعة لا وطن الهوى والغواية والضلال. إن الأخ الرئيس اليوم في حاجة ماسة إلى كتيبة من أهل العلم وأهل الصدق وأهل الحفاظ تحوطه وتدفع عنه وتحميه من نفسه ومن أقران السوء وليس لهذا إلا أهل العلم وأهل الدعوة.. وإن أهل العلم اليوم وأهل الدعوة على خطر.. فالعلم والدعوة لا يوفران لصاحبهما براءة من السؤال إلا إذا كان ثالثهما العلم.. إن على هيئة علماء السودان أن تتقدم وتحمل الراية وألا تدع الساحة لأمثال تورين.. كما أنه على الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة وعلى المجمع الفقهي وعلى التنظيمات الإسلامية السلفية والصوفية والحركية والسياسية وعلى العلماء في كل أنحاء البلاد بل ومن كل فج في البلاد وكل فجوة أن يتنادوا ويتراصوا ويوحدوا كلمتهم.. لأداء واجب النصيحة لولي الأمر وللإيفاء باستحقاق العبودية لله.. ولأداء شكر نعمة الاصطفاء والاختيار. إن الإنقاذ والحركة الإسلامية تخدع نفسها إذ تظل في سدة الحكم ربع قرن من الزمان والناس يطالبونها بإقامة شرع الله وهي لا تفعل ولا تأبه ولا تهتم وتقيم الحجة على نفسها في الدنيا والآخرة. أخي الرئيس.. نرجو أن نكون قد أحسنا الخطاب وتأدبنا مع مقام الرئاسة بما أدبنا به الحق عز وجل ونرجو أن يهيئ لنا ذلك قبولاً عندكم وحسن ظن واستجابة كريمة.. والله ولينا ووليكم وإليه المشتكى وعليه التكلان.