يظل الأستاذ غازي سليمان المحامي أحد أبرز القيادات في «الحقلين» القانوني والسياسي.. فهو من المحامين الذين تستعين الشركات والمؤسسات بخدماتهم.. كما أنه سياسي يضيف لكل حزب أو كيان انتمى إليه رونقه وبريقه، حيث يعبّر عن آرائه بوضوح دون أن يختبيء وراء «العبارات السياسية».. ويقول الأستاذ غازي في حوار مع «آخر لحظة» : «لست مع الحكومة فقط.. ولكن في هذه اللحظات فإنني معها في خندق واحد لمواجهة التآمر الخارجي والاستعماري الصهيوني».. فإلى مضابط الحوار كيف تقرأ المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد؟ - المشهد السياسي في البلاد -دون مجاملة- وبكل شفافية يدعو للقلق. لماذا يدعو للقلق؟ - تصريحات الحكومة التي قالت إن الوضع الاقتصادي بالبلاد سيء للغاية.. وتخيّلي أن تعترف الحكومة بسوء الأوضاع الاقتصادية بعد أن ظلّت تتربع على كراسي الحكم قرابة ربع قرن من الزمان. الحكومة أقرّت بفشلها.. وتحاول الآن الخروج من هذا المأزق بزيادة الضرائب غير المباشرة على المواطنين، في الوقت الذي تعلم الحكومة بأن 90% من أهل السودان يعانون في مشربهم ومأكلهم، ولا ينعم برغد العيش إلاّ فئة قليلة وهي الحاكمة. فشل الحكومة ليس ادعاءً من جانبي بل هو اعتراف من الحكومة بذاتها، وهنالك دليل آخر على فشل الحكومة: وهو لهثها وراء القادة الطائفيين ليساندوها في مواجهة شعب السودان الغاضب عليها. ولولا المهدّدات الخارجية التي تواجهها الدولة من الإمبريالية العالمية والصهيونية، لخرج شعب السودان وأسقطها. ü هل هذا يعني أن الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» يعاني من مشكلات داخلية وتكتلات؟ - أنا شخصياً عبرت عن هذا الوصف أكثر من مرة، الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» في تقديري ليس هو إلّا «مساحيق تجميلية لبندقية المشير عمر البشير» التي يحكم بها السودان، وعليه فلا أرى أهمية للمؤتمر الوطني إذا كان منقسماً أو متوحداً، لأنّ السلطة في النهاية بيد المشير عمر البشير بموجب الواقع والدستور. هل الحكومة قادرة على حلحلة القضايا الملحّة مثل الاقتصادية ومشكلة جنوب كردفان والنيل الأزرق وصراع دارفور؟ - هذه الحكومة قادرة على حل كل المشاكل بشرط واحد: أن تحارب الفساد في داخلها، وخلاف ذلك فإنها ستسقط بمشيئة الله. في المقابل هل تواجه معارضةً حقيقية يمكن أن تهدّد استمرارها؟ - لا توجد معارضة حقيقية.. فتجمع المعارضة «حي كميت»، أمّا العناصر الرئيسية في المعارضة التاريخية فهي في سوق «الله أكبر». ما هو رأيك بالتحديد في تحالف المعارضة الحالي الذي يضم أحزاباً سياسية وكيانات؟ - هو ضرورة أملتها التدخلات الأجنبية في السودان. وهو تحالف حول الأجندة الأجنبية التي تستهدف ليس الانقاذ لوحدها بل السودان بهويته العربية والإسلامية.. وأعتقد أن وجود هذا التحالف قد أضعف المعارضة الحقيقية للنظام التي مازالت في طور التكوين. إذاً ما الحل لمشكلات السودان السياسية والإقتصادية؟ - الحل لمشكلات السودان في الواقع الماثل الآن، واعني به الحلول الآنية وليس المستقبلية، أن يتحمّل الرئيس عمر البشير مسؤولياته الدستورية ويقوم بتنقيح السلطة من الإنتهازيين والمفسدين وآكلي أموال الناس بالباطل. وأن يقوم بتعيين حكومة مصغرة من المشهود لهم بالنزاهة وهذا هو الحل. لكن إذا سارت السلطة بحكومتها العريضة الحالية وبالفساد الماثل الآن فإن أجلها قريب. برأيك هل الأحزاب السياسية بوضعها الحالي قادرة للعب دور في تحديد مسار الحكم؟ - أولاً.. لا توجد أحزاب سياسية بالمعنى المعروف والمفصّل في قانون الاحزاب لسنة 2007، فهي تجمّعات تاريخية لا أكثر ولا أقل.. وهذه التجمعات أصبحت الآن -كما قلت آنفاً- في «سوق الله أكبر»، وهذا مؤسف للغاية. إلى أي شيء تعزو ضعف الأحزاب وتشقّقها؟ - ضعف الأحزاب هو حقيقة تاريخية.. وخير مثال لذلك استلام الإنقاذ السلطة في العام 89 و80% من السلاح الطبي و20% من سلاح الموسيقى هم من نفذوا الانقلاب. وهذا أيضاً خير مثال لضعف الأحزاب، ولا أعتقد أن هذه الاحزاب التي أسميتها بالتجمّعات التاريخية لديها فرصة في المستقبل لحكم السودان. لماذا فشلت منظمات المجتمع المدني في أخذ مكان الأحزاب التي أسميتها بالتجمّعات التاريخية؟ - ماذا تعني بمنظمات المجتمع المدني؟ أنا شخصياً أعتقد أن هنالك عدداً كبيراً ممّا يسمى بمنظمات المجتمع المدني هي في حقيقة الأمر تنظيمات تمُوّل بواسطة دول الغرب وإسرائيل. ودورها الأساسي تقديم المعلومات لمموليها.. باختصار فإن دورها أن تتجسّس على ما يدور في السودان.. وخير مثال لذلك ما جرى في مصر. لقد أقرّت واشنطن بأنها تدعم هذه المنظمات التي تدعو للحرية والديموقراطية؟ - يا بنتي.. مسألة الحرية والديموقراطية يراد بها التدخل في شؤون الدول المستقلة لدفع الولاياتالمتحدة وحلفائها في الغرب وإسرائيل لتمرير أجندتها في دول العالم الثالث. خلال حديثك وكذلك في المنابر فإنك أظهرت تأييداً للحكومة. خاصةً وقد عُرفت بأنك أحد معارضيها؟ فما هي الأسباب؟ - أنا لم أقل بأنني مع الحكومة فقط، بل الجملة كاملة ذكرت بأنني ضد الحكومة.. لكن في هذه اللحظات والحكومة تواجه التآمر الخارجي من الاستعمار العالمي والصهاينة فإنني معها في خندق واحد. وهذا حديثي كما أتذكره. خلال تاريخك السياسي فانك كنت قيادياً بارزاً في أي كيان تنضم إليه، لكنك فجأة تتخلّى عنه فهل مصالح الأستاذ غازي تلعب دوراً مهماً؟ - آراء ومواقف غازي تتغيّر مع الظروف ومع واقع الحال، وأنا أتمثل بقول العرب «لكل مقام مقال.. ولكل زمان أنغام ولكل حادث حديث». ü هل نتوقع ترشح الأستاذ غازي في انتخابات 2015؟ - أنا بامانة مع ترشيح المشير عمر البشير في انتخابات الرئاسة القادمة.. وذلك على الأقل لتصحيح الأخطاء المسؤول عنها، ومن ضمنها عناصر كثيرة كانت خصماً على أدائه.. وعليه أن يتخلّص منها في الدورة المقبلة. بحكم أنك خبير قانوني وقيادي سابق في الحركة الشعبية.. ما رأيك في قضية أبيي؟ ولماذا لم يتم حلّها حتى الآن؟ - قضية أبيي ليس لها ارتباط بموقف الحركة الشعبية أو بكوني قانوني أو خلاف ذلك. حل قضية أبيي منصوص عليه في دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005، وأرجو الرجوع إلى المادة «183» من الدستور، حيث يوجد الحل لإشكال أبيي عبر الاستفتاء ويشترك فيه سكان منطقة أبيي، ويكون الخيار بالاستفتاء بأن تحتفظ أبيي بوضعها الإداري الخاص في الشمال، أو أن تصبح جزءاً من ولاية بحر الغزال. ومن ثم لا مجال للمبعوث أمريكي أن يدخل أنفه في مثل هذه المسائل المحسومة دستورياً. وأنا في هذا الموقف «أشد على يد» وزير الخارجية علي كرتي في تصريحاته الأخيرة حول مهام المبعوث الأمريكي الجديد للسودان.