بقلم الدكتور عقيد (م): محجوب برير محمد نور فصل الدين عن الدولة: عند ظهور السيد المسيح عليه السلام برسالته التي تقوم تعاليمها على طبيعة الإنسان الأخلاقية، حدث ما يشبه الزلزال في أرجاء الدولة الرومانية ! حيث قضت تعاليم الديانة الجديدة بان سعادة الإنسان تكمن في التسامح والمحبة والإحسان وفصل الدين عن السياسة وتقديم طاعة الله تعالى على طاعة ولى الأمر. استثار ذلك حفيظة قادة الدولة الرومانية، ولم يشفع للسيد المسيح انه قيد تلك الطاعة بدعوته لأتباعه بشعار (أعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر) فاعتقد الرومان انه بناهض بدعوته دولتهم ويعمل على تدميرها ومحوها من الوجود. ولهذا واجهت الديانة المسيحية في بداياتها معارضة قوية من الرومان الوثنيين وخاصة الطبقة الحاكمة ورجال الإقطاع والأثرياء، ولقيت المسيحية قبولاً واسعاً عند الشرقيين القسطنيطينيين، ووجدوا إن كثيرا من عناصر الثقافة اليونانية الرومانية التي ألفوها من قبل يمكن التوفيق بينها وبين تعاليم الدين الجديد، ولم يجدوا حرجاً في استخدام هذا النسيج الثقافي. كان هذا الاختلاف في الفكر والتوجه والمقاصد مدعاة لقام كنيسة شرقية وأخرى غربية ، بيد أن التربية المسيحية في مجموعها شرقية وغربية هي تربية دينية أخلاقية تدعوا للتسامي والتسامح الإنساني وتهتم بتزكية الروح وتنمية الفضيلة وكبح الشهوات عن طريق التقشف والزهد وحياة الرهبنة بما تدعوا إليه من الإعداد لليوم الآخر. ولم يلبث المسيحيون شرقيون وغربيون تحت وطأة الظروف الاجتماعية المحيطة ونجاح التجربة العملية للتربية والتعليم الروماني أن شرع المسيحيون الشرقيون في تغيير موقفهم حيال الثقافة الوثنية، فانساقوا مع واقع الحال وأرسلوا أبناءهم للمدارس الوثنية حيث كان التعليم الوثني سانداً في كل أنحاء ذلك العالم القديم؛ الإمبراطورية الرومانية، بلاد فارس، مصر الفرعونية، بلاد اليمن، الحبشة، الهند والصين، الجزيرة العربية وغيرها. ولا بديل له ولا عوض عنه سوى الجهل والتخلف!! الإمبراطور جوستنيانJustinian وثورة الإصلاح: جاءت نقطة التحول الكبرى عندما اعتنق الإمبراطور الروماني جوستنيانJustinian دين السيد المسيح عن قناعة وإيمان، بعد أن تشرّب بتعاليمه وشعائره وطقوسه على أيدي بعض الكهنة الفلاسفة العلماء ، ولكن جوستنيان Justinian برغم ذلك ظل أسيراً لثقافته الرومانية/اليونانية، فرفع شعارات مناهضة للتوجه المسيحي المتزمت! الداعي إلى سلوك طريق الرهبنة والتخلي عن مطامح الحياة الدنيوية من تملك وارث وأسرة ... الخ. رفع جوستنيان Justinian شعاره بان الدين المسيحي هو لأعمار الأرض والقلوب معاً. وبهذا دعا الإمبراطور أتباع السيد المسيح عليه السلام أن يبتغوا فيما آتاهم الله الدار الآخرة ولا ينسوا نصيبهم من الدنيا ويكونوا بين ذلك قواماً. احدث اعتناق الإمبراطور جوستنيان للديانة المسيحية تحولات جذرية في توجه الإمبراطورية وقوانينها، من ذلك ما يتصل باعتناق المسيحية أو الدعوة إليها والتبشير بها، إذ كان الحكام الوثنيون - قبل جوستنيان - قد أصدروا قانونا يحظر كل ذلك ، ويقصر ممارسة شعائر المسيحية وطقوسها داخل الأديرة والكنائس فقط، وإذا عثر على احد يبشر أو يمارس تلك الشعائر خارج أسوارها فانه يقع تحت طائلة قانون معارضة الإمبراطورية ، ويقضي بعقوبة تجرده من حريته وصيرورته عبد خاضعاً لمشيئة الحاكم الروماني يفعل به ما يشاء من بيع وسخرة وتعذيب. حتى بلغ عدد من وقعوا تحت طائلة ذلك القانون من المبشرين الذين سلبت حريتهم ما يربوا على العشرة آلاف. فاصدر جوستنيان قراراً بإطلاق سراحهم وإعادتهم إلى سلك الأحرار، ليس ذلك فحسب، بل أمر بتوفير السبل والوسائل اللازمة لنشر دين السيد المسيح!!، وادعى للعجب من ذلك كله، إن جوستنيان اصدر قراراً آخر يمنع تعلم وتعليم الديانات الوثنية والتبشير بها في أرجاء الإمبراطورية الشرقية ومضى في ثورته على واقع الحياة الاجتماعية أيضا. حيث كان الزواج الوثني على أربعة أنواع: 1. الزواج الثنائي: وفيه يسمح للرجل بالزواج من امرأة واحدة. 2. الزواج البوقمي Bigamy: وفيه يسمح للرجل بالزواج من امرأتين. 3. الزواج البولوقمي Boloygamy: وفيه يسمح للرجل بالزواج بأي عدد شاء. 4. الزواج البولندري Bolyandary: وفيه يسمح للمرأة بالزواج من أكثر من رجل واحد!!. وهذا ولا يندرج في منظومة عقود الزواج تلك ما تملكه يمين الرجل من إماء؛ فله حق الاتصال الجنسي بإماءه وسباياه دون مساس بحق الزوجية من امرأة أو أكثر ويحرم القانون الروماني على النساء الحرائر الاتصال الجنسي بالذكور من العبيد. هذا فلما جاء السيد المسيح بدعوته وتعاليمه، اقر من صور الزواج الوثني النوع الأول فقط وهو الزواج الزوجي ؛ أي الزواج بامرأة واحدة ولا يحق للرجل الزواج بغيرها إلا في حالة وفاتها أو طلاقها بثبوت الخيانة الزوجية. ظل حال الزواج في ظل الإمبراطورية الرومانية على ما عليه في الديانات الوثنية الأخرى، فقد مارس الناس وعامتهم كل أشكال الزواج عدا العسكريين من الضباط والجند في الجيش الروماني، إذ اصدر الإمبراطور (كلوديوس الثاني Claudius) قراراً بحظر الزواج بكل أنواعه عليهم، خشية أن يقيد حرية تحركهم مع الجيش من مكان لآخر، ويربطهم بعلاقات أسرية تهبط بروحهم المعنوية، وتقتل فيهم روح المخاطرة والاستماتة في القتال!!! ولكن من اجل إشباع حاجاتهم البيولوجية فقد شجع قانون الجيش الروماني الجند على ممارسة الجنس بغير زواج! أو بموجب الزواج البولندري (فكانت تخصص لكل عشرة جنود امرأة واحدة تقوم على خدمتهم عامة وعلى وجه الخصوص الجنسية وفي حال إنجابها يصبح المولود عبداً رومانيا). الأب فالنتاين والزواج المقدس: لم يرض قرار الإمبراطور كلوديوس الثاني أفراد الجيش الروماني لأنه يهدر آدميتهم ويجعلهم جزءا من آلة الحرب وعتادها دون مراعاة لمشاعرهم الإنسانية وحقهم في الحياة الأسرية والإنجاب. كما لم يحظ برضا شعب القسطنطينية لأنه يجعل نساءهم - حتى الحرائر منهن- عرضة لممارسات غير مشروعة، ويعرض أفراد الجيش للاضطهاد والقتل والكراهية من عامة الشعب. وفي ظل ما افرزه قرار كلوديوس الثاني من عواصف السخط والاعتراض، انبرى احد القساوسة ويدعى « الأب فالنتاين» لمواجهة الحال، فقام سراً بعقد ثلاثمائة زيجة مسحية بين الجند وفتيات القسطنطينية في اليوم الرابع عشر من فبراير عام 269م وسرعان ما أثمرت تلك الزيجات وأنجب الجند بنين وبنات خلال شهور عشرة فقط. فلما بلغ خبرها الإمبراطور - كلوديوس الثاني- اصدر أمره بالقبض على الأب فالنتاين وصدر أمر بإعدامه في نفس اليوم الرابع عشرة من فبراير جزاءً على مخالفته أمر الإمبراطور - كلوديوس الثاني- . جوستنيان و الاصلاح: بعد اعتناق الإمبراطور جوستنيان المسيحية اصدر قراراً بإلغاء قانون سلفه - كلوديوس الثاني- وسمح بالزواج وفق تعاليم السيد المسيح كما اصدر توجيهاً للكنائس ومن فيها من قساوسة ورهبان بجعل يوم 14 فبراير من كل عام عيد للحب والأسرة تخليدا لذكرى الشهيد الأب فالنتاين الذي ضحى بحياته من اجل الحب والأسرة الفاضلة!! وكان فالنتاين يعلم سلفاً قبل إقدامه على ما فعل إن الإمبراطور كلوديوس الثاني سيكشف أمره ويأمر بإعدامه، ولكن لم يأبه لما يكون فضحى بحياته من اجل الحب وترسيخ تعاليم السيد المسيح وأطلق الإمبراطور جوستنيان على دير وكنيسة الأب فالنتاين اسم (سان فالنتاين) وتسمت عدة كنائس أخرى وأديرة بهذا الاسم. ظل الاحتفال بيوم الحب والأسرة متواصلا لعدة قرون ثم انقطع وعاد من جديد في القرن التاسع عشر الميلادي ، وشمل كل أنحاء العالم المسيحي في الشرق والغرب. ولم يقتصر الاحتفال بعيد الحب الأسري الذي أصبح يعرف - Valentine Day" قاصراً على أتباع السيد المسيح عليه السلام، بل عم كل شعوب العالم قاطبة بمختلف عقائدهم الدينية وأصولهم العرقية. وانبرى بعض أهل ملة الإسلام للتصدي لمشاركة المسلمين الاحتفال بيوم الحب الأسري. باعتباره تقاليد من تقاليد ورموز المسيحية ولا ينبغي لأهل الملة الأخذ به وإتباعه. ولكن آخرين من علماء المسلمين تصدوا لهم وأفتوا بان - الأب فالنتاين- إنما كان رمزا للفضيلة وإقامة تعاليم السيد المسيح في العلاقات الإنسانية عبر الزواج المسيحي، وان المسلمين لا ينكرون تعاليم السيد المسيح وقد سبق مسلك الأب فالنتاين ظهور الإسلام. وهذا وترمز الورود الحمراء لدم الشهيد فالنتاين، كما يرمز اللون البنفسجي إلى الرومانسية ، وترمز الهدايا إلى التحابب والمودة. جدير بالذكر أن قوانين الممالك الأوربية القديمة كانت تحرم تنفيذ عقوبة الإعدام والحرب عموما في يوم فالنتاين. عيد الحب (يوم - فالنتاين) والإصلاح الديني المسيحي - بقلم الدكتور عقيد (م): محجوب برير محمد نور }}