لم يعد المواطن ينتظر وعود الحكومة بالتنمية التي تلوّح بها في كل زيارة يقوم بها مسؤول لمنطقة ما، خاصة في دارفور التي أصبحت مشكلة التنمية والنسيج الاجتماعي فيها تصطدم بحاجز الوضع الأمني، بحجة أن المتمردين يستهدفون التنمية، غير أن المفاجأة كانت بوجود تنمية في منطقة الملم المحاطة بالحركات المسلحة، فهي تقع أسفل جبل مرة الذي تهيمن عليه حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور وتبعد حوالي 2 كيلو عن المنطقة التي توجد فيها حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي. وكشف الأستاذ لقمان أحمد رئيس منظمة الملم للسلام والتنمية عن ظهور واقع جديد بدارفور في المحافظة على المنشآت التنموية، وقال خلال مؤتمر صحفي بطيبة برس أمس إن مواطني دارفور بما فيهم الحركات المسلحة أجمعوا على أن لا تدمر المنشآت الخدمية التي تقدم خدمات للمواطنين، مؤكداً أن عمليات إبادة القرى توقفت، فيما نشطت عمليات السلب والنهب المسلح، وأبان أن أهمية منطقة الملم تكمن في أنها مسقط رأس السلطان على دينار ومهد سلطنة الفور، وتمثل مركزاً حضارياً وملتقى اقتصادياً يغذي الحياة بمنطقة شمال نيالا، وتمثل موطناً لعدد كبير من القبائل المختلفة. وأوضح أن الملم تأثرت كغيرها من المناطق في دارفور بالنزاع الدائر في الإقليم حيث نزح عدد كبير من مواطني المنطقة ولا يزال بعضهم في معسكرات النزوح، كما حدث خلل في النسيج الاجتماعي لسكان المنطقة خصوصاً بين قبيلتي الفور والبني منصور باعتبارهم أكبر مكون في المنطقة، بالإضافة إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية والتحتية. عودة الروح: عودة الروح شعار وضعته المنظمة التي تضم أبناء المنطقة بالداخل والخارج، وقصدوا منه إحياء المنطقة التي كانت ضحية الحرب منذ العام 2003م حتى العام 2011م عندما زارها رئيس المنظمة بدعوة ومبادرة من معتمد محلية الملم حينها العقيد الدكتور محمد آدم أبكر الذي دعا أبناء المنطقة بأن ينهضوا بمنطقتهم، وقال العقيد محمد آدم خلال المؤتمر إن الأسباب التي دفعته لذلك الترابط الاجتماعي بين سكان الملم، مؤكداً أنه طيلة مدة عمله بالمنطقة كمعتمد تم فتح بلاغ واحد، مشيراً إلى أن المنطقة اشتهرت بحقوق الإنسان. وفي ذات السياق أكد الأستاذ لقمان رئيس المنظمة أن منظمته شرعت في العمل منذ العام 2011م بعد أن استطاعت أن تكون مجموعة العمل التي تمثل العقل المخطط لمشاريع إعادة إعمار المنطقة و تنفّذ عبر الهيئة التنفيذية للمنظمة. لافتاً إلى أن مجموعة العمل هي الجهة التي تعمل على الدوام على صيانة وتمتين المصالحة واستدامة السلام. وأوضح أن المنظمة قامت بتدريب نحو مئتي شاب على مهارات البناء وصناعة الطوب والنجارة والحدادة واللحام وغيرها من الحرف ووضعتها كأولوية قصوى في المرحلة الأولى بهدف الاستفادة منها في بناء المشروعات التنموية بالمنطقة وخلق فرص عمل بتكلفة بلغت (52,070) جنياًه سودانياً، كما تم بناء مسجد أم القرى بتمويل من ابن المنطقة الشيخ الطيب محمد وتمت إعادة بناء المستشفى الوحيد في المنطقة الذي تم بناؤه في عهد الاستعمار. وفيما يتعلق بدعم المزارعين وتوسيع الرقعة الزراعية أوضح لقمان أن العدد الكلي المستهدف من المزارعين في المرحلة الأولى(330) مزارعاً تم تقسيمهم إلى قسمين، (180) مزارعاً في القسم الأول المعني باستخدام وابورات اللستر وهو القسم الذي سيستفيد من مياه الوديان والبحيرات الصغيرة «البرك» و (150) مزارعاً في القسم الثاني المعني باستخدام مياه الآبار عبر الطلمبات الغاطسة بهدف ري نحو 40 مزرعة من مياه مصدرها الوادي الرئيسي في المنطقة وزيادة وتأمين الغذاء في المنطقة وزيادة المحصولات المنتجة أثناء فصل الحصاد وبالتالي زيادة الدخل بتكلفة بلغت (658,450) جنيهاً. وفي ذات المنحنى أكد القائمون على أمر المنظمة أن المنظمة شرعت في إعادة إعمار سوق الملم الذي يعتبر من أكبر الأسواق في شمال نيالا وأكبر سوق لمنتجات جبل مرة و يرتاده الباعة والتجار من كل المحليات المحيطة بالملم «كاس، شرق جبل مرة، طويلة، دار السلام،مرشنج كورما، الفاشر، نيالا وغيرها من المناطق المحيطة فضلا عن الباعة والتجار من داخل المنطقة»، لافتين إلى أن السوق في العام 2003 وصل إلى ذروته، حيث وصل مرتادوه أكثر من 150 عربة محملة بالبضائع، كما أن تعداد الماشية يفوق«10,000» رأس من الماشية المختلفة. وشدد لقمان بأن الهدف من إعادة إعمار السوق زيادة مستوى دخل الفرد و تحسين وتحفيز الاقتصاد المحلي للمنطقة وإعادة بناء العلاقات التاريخية بين المجموعات القبلية في المنطقة، كاشفاً بأن التكلفة الكلية لإنجاز المشروع تبلغ «226,925» جنيهاً سودانياً، وقطع لقمان بأن الملم ستكون أول منطقة في السودان تمنع الانبعاث الحراري عبر موقد الطهي الذي صمم من أجل المحافظة على البيئة وتطوير إعداد الطعام، مبيناً إنه تم توزيع ألف موقد يليه توزيع ثلاثة آلاف خلال العام الجاري بالتعاون مع منظمة Potential Energy بكلفورنيا. ما استعرضته المنظمة في قاعة طيبة برس أمام عدد من الخبراء والإعلاميين الذين احتشدوا في القاعة، أكد أن العمل الذاتي يتم بتكاليف بسيطة أمام إنجازات كبيرة، وكانت المبادرة دعوة إلى أن يعمل المجتمع المدني ويدفع بالأعمال الخيرية وتشجيع بأن ينمي كل أهل منطقة منطقتهم. غير أن الأستاذ لقمان أكد بأن منظمتهم بعد الانتهاء من التنمية في منطقتهم ستعمم المبادرة إلى المناطق المجاورة حتى تصل نيالا. من جانبه أكد الخبير الاقتصادي د.خالد التجاني أن الركوض الاقتصادي في السودان هو خروج دارفور الفعلي من العملية الإنتاجية، وأوضح أن التهميش السياسي بين الولايات والمركز واقع، مشيراً إلى أن المركز يتمتع بخيرات الولايات المنتجة، وقال إن الجانب الاقتصادي مفقود بالرغم من أن هنالك مناطق آمنة في دارفور لكنها لم تشهد تنمية وتراجعت الزراعة في دارفور بنسبة60% ولا توجد دراسة، وطالب بعدم انتظار الآخرين أو الحكومة أو المنظمات، ودعا الآخرين للاهتمام بمناطقهم. وفي ذات السياق أبان الخبير في شؤون دارفور عبد الله آدم خاطر أن ما قامت به المنظمة عملية لتعزيز السلام في دارفور، وأوضح أن المنظمة أكدت أن روح دارفور غير قابلة للهزيمة، ويبقى الأمل بأن تعم التنمية ربوع السودان وأن تكون مبادرة منظمة الملم نموذجاً للتحديات في قلب الصعاب، بعيداً عن المنظمات التي أصبحت تتاجر بقضايا الشعوب من أجل مصالحها الخاصة.