يمر السودانيون بمرحلة فاصلة ففي مطلع العام القادم يكون الاستفتاء بين الوحدة والانفصال. وبدأت الصفوف تتمايز.. والتحسبات تكثر وسرى في الناس الترقب والخوف ودواعي الإحباط فإلى هؤلاء أكتب واستعرض مشهداً من مشاهد تاريخ المسلمين في غزوة أحد رضوان الله على أهلها. وأحداث أحد معروفة.. تلك المعركة التي دارت حول ذلك الجبل الحبيب... جبل حمل ذكريات للصحابة ولرسول الله تركت أثرها على قلبه الشريف الشفيف فهو ظل يذكر أحداً وشهداءها حتى آخر أيام حياته... يزور هؤلاء الشهداء كل أسبوع ويترحّم عليهم... سبعون سيداً فقدهم الإسلام ساعتئذ وعلى رأسهم سيد الشهداء عمه (حمزة). لقد كانت خسارة نتيجة أخطاء ارتكبها بعض الناس في الصف المسلم... وكانت مشهداً وضح فيه النفاق والمنافقون عندما تأخر شيخ المنافقين ابن أبي سلول مع جمهرة من المنافقين عن جيش المقاتلين الزاحف في سلوك كشف عن هوية هؤلاء المنافقين.. وسط هذا الجو القائم حدثت الهزيمة للمسلمين.. واستعرض القرآن وهو يخاطب الذين هُزموا... وخاطبهم خطاباً خرج فيه العتاب الرقيق بالدرس الذي يجب أن يتعلموه حتى لا يتحول انكسارهم في الميدان إلى قنوط يقعدهم عن مواصلة الجهاد. ترفق القرآن وهو يعقب على ما أصاب المسلمين في أحد مواساة لهم وتعزية وتقوية لعزائمهم ألا تنهار وألا تنكسر. بدأ القرآن خطابه (منكم من يُريد الدنيا ومنكم من يُريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين). ثم عمد إلى التخفيف عنهم من وطأة الانكسار: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). انظر إلى هذا الطرح الحاني... والعتاب الرقيق وتذكير هؤلاء الذين انكسروا عسكرياً بسنن الله في الوجود... وأن الذي حدث هو جولة من جولات الأقدار يجب ألا ينكفئوا عليها وإنما المطلوب ألا (يهنوا).. أو يحزنوا على ما حدث إلا بقدر الاعتبار وهو معيار المؤمنين. ثم يمضي في نفس السياق: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس). سنن الله في الوجود... هي(المداولة)... فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساءُ ويوم نُسر وهذا الطرح هو أكبر مضاد حيوي ضد عوامل اليأس والقنوط والانكفاء على المأسأة... كأنما يحرضنا القرآن على أن نحلق فوق مآسينا وابتلاءاتنا وما دمنا مسلمين نحمل رايات ربنا وقد ضرب أصحاب أحد المثل الأعلى في عدم الانهزام. تأمل هذه الصورة التي ترسمها هذه الرواية... (روى ابن إسحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء أم الأموات؟.. فذهب رجل من الأنصار فوجد سعد جريحاً وبه رمق فقال له: إن رسول الله أمرني أن انظر أفي الأحياء أنت أم الأموات؟ فقال سعد: أنا في الأموات فابلغ رسول الله سلامي وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف). قال ثم لم أبرح حتى مات وجئت رسول الله فأخبرته خبره وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء حيث قتلوا ورفض أن ينقلوا إلى مقابر أسرهم... قال جابر بن عبد الله: (لما كان يوم أحد جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا فنادى منادي رسول الله: (ردوا القتلى إلى مضاجعهم). (وكان رسول الله يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ولما انصرف عنهم قال «أنا شهيد على هؤلاء ما من جريح يُجرح في سبيل الله إلا ويبعثه الله يوم القيامة يدمي جرحه، اللون لون الدم، والريح ريح المسك»). ولقد فعلت هذه المعالجة القرآنية فعل السحر في أصحاب أحد من الأحياء... فنهضوا في متابعة فلول المشركين حتى (صحراء الأسد) ولم يظهر عليهم أي أثر للانهزام.. وسنواصل استعراض هذا الأثر في مقالنا القادم.