لم يكن من قول أكثر دقة من إقرار القيادية بالحزب الشيوعي فاطمة أحمد إبراهيم التي قالت: «نحن لا نقول إن حزباً بمفرده يستطيع أن يفعل شيئاً ولكن لابد من وضع كل الأيادي فوق بعضها، وهذا استدعى وجود كل القوى الديمقراطية والمنظمات وقدمت مصلحة الشعب والوطن فوق مصالحها ولذلك بدأت بذور الانتفاضة تنمو وعندما وصلت القمة حدث الانفجار».. كانت تلك صراحة غير منقوصة من فاطمة عندما سئلت في لقاء وثائقي لمصلحة - صحيفة «الأزمنة» المتوقفة عن الصدور- عن دور حزبها في انتفاضة أبريل.. وأمنت فاطمة على دور الأحزاب في الثورة وإسهامها في ذلك، وباهى رئيس حزب الأمة الصادق المهدي بدورهم.. بل قال في حوار ينشر في نسخة اليوم إنهم من أشعلوا شرارة الثورة وكانوا صناعها بينما الروايات المتداولة والموثقة أن نائب رئيس حزب الأمة الراحل عمر نور الدائم يعتقد أنها بدأت بمسيرة طلاب جامعة أم درمان الإسلامية، وآخرون يدعون أن الشرارة كانت بإعدام زعيم الجمهوريين محمود محمد طه حيث لم يستبعد الأستاذ الجامعي بروفيسور محمد الأمين التوم ذلك في حوار صحفي، حيث قال إن إعدام الأستاذ محمود محمد طه يعتبر نقلة نوعية وكان دافعاً للنقابيين لمزيد من الصراع ضد النظام المايوي، ولكنه اتفق مع الآراء المؤيدة لمسيرة طلاب الإسلامية. ويذهب أمين سر البعث الريح السنهوري في حديثه لآخر لحظة إلى أن انتفاضة مارس أبريل الشعبية المجيدة هي تتويج لنضال جماهيري بدءاً من بداية انقلاب 25 مايو، الذي طرح في بدايته برنامجاً وطنياً تقدمياً التف حوله معظم جماهير الشعب السوداني، ولكن كان للقوى الديمقراطية التقدمية رأي في هذا البرنامج، وذلك لانتقاصه البعد الديمقراطي، وكان البعد الديمقراطي في ذلك الوقت هو البعد الثوري، ولم يفوت السنهوري سانحة إبراز دور حزبه وقال إن التظاهرات عندما توسعت دائرتها والتحقت بها قطاعات واسعة من الشعب في العاصمة والأقاليم وبدأت الجماهير تخرج في مسيرات بمئات الآلاف، في هذه الفترة كان لتجمع الشعب السوداني وحزب البعث دور كبير في تصليب الانتفاضة من خلال البيانات وشعارات الحائط والتي أدت إلى إحباط النظام وتحدي أجهزته القمعية وكسر هيبته وبشكل خاص منذ مايو 1984م، وأشار إلى موقف سبق الانتفاضة بعدة سنوات وهو اتهام المرحوم نميري لحزب البعث بأنه المحرض لحركات مطلبية ظهرت في العام 1978 والقى خطاباً شهيراً وقتها خصصه للهجوم على حزب البعث العربي الاشتراكي. ولكن المفاجأة في حديث السنهوري أنه أكد أن البعثيين اعتبروا عند إعدام محمود محمد طه أن المعركة مع النظام قد وصلت نهاياتها، مؤكداً أن التحرك من عطبرة وليس من جامعة أم درمان الإسلامية. بينما ظل الإسلاميون يشيرون إلى مشاركتهم الكبيرة من داخل الفعاليات الشعبية والأهلية ووجودهم في كافة الميادين المحركة للانتفاضة بما فيها نقابة أ ساتذة جامعة الخرطوم. والواضح من تغيير الإسلاميين لخطتهم أنهم حوصروا في الأسبوعين السابقين للانتفاضة، حيث اعتقلهم نميري وأقصاهم. الحزب الاتحادي لم يكن بعيداً عن ما يجري، فقد تقارب مع حزب البعث عقب رحيل القيادي الاتحادي الشريف حسين الهندي فبدأ حوار الحزب مع القيادي الاتحادي المرحوم حاج مضوي ونبعت عنه فكرة إنشاء تجمع الشعب السوداني كتنظيم يضم كل القوى السياسية، وتوسعت قاعدة الحوار وشملت المرحوم مبارك الفاضل شداد والمرحوم الدكتور محمد عثمان عبد النبي والأستاذ علي محمود حسنين وآخرين من الحزب الاتحادي الذي كان موزعاً على مراكز وأقطاب بينها بعض الخلافات ولكنها جميعها التقت في فكرة بناء تجمع للشعب السوداني، ومن خلال هذا التجمع انطلق تحالف بين البعث والاتحادي وتم استقطاب المرحوم محمد المهدي الخليفة رئيس تضامن غرب السودان وصمويل أرو رئيس حزب سانو وحزب الأمة جناح الهادي المهدي وبعض الشخصيات الوطنية، فتشكل تجمع الشعب السوداني وأنشأ له أجنحة وسط الأطباء والمحامين والمعلمين والمهندسين والعمال وبشكل خاص وسط عمال السكة حديد، إلى جانب جناح وسط القوات المسلحة سمي بالجناح العسكري لتجمع الشعب السوداني، وهذا الجناح لم يكن من الضباط البعثيين فقط.. ولكن أسهم الحزب الاتحادي ببعض العناصر وكان يضم عناصر مستقلة ذات وزن كبير، بحسب قيادات من الطرفين وهذا التحالف العريض تحرك في الفترة من 1982م إلى 1985م وكانت المعركة ضارية ضد نظام مايو. كان لرئيس وزراء الانتفاضة د. الجزولي دفع الله رأي مغاير وهو يقصم ظهر الأحزاب.. بل لغي وجودها تماماً وشيد سوراً بينها والانتفاضة حيث قال إن الأحزاب لم يكن لديها دور في أبريل في حديث سابق ل «آخر لحظة» إن الأحزاب لم يكن لها أي دور في الانتفاضة، بل النقابات هي التي حركت الانتفاضة وخرج الشعب، فثورة 6 أبريل هي ثورة وانتفاضة شعبية خالصة، واستدرك ربما هناك عدد بين الجماهير ينتمون للأحزاب لكنها لم تنظم أو تكن بصورة مباشرة معنا في التجمع النقابي، فالعمل كان وطنياً نقابياً شعبياً خالصاً. ومضت قيادات نقابية ومهنية في ذات الاتجاه باستدلالها بأن قيادات الأحزاب لم تلعب دوراً ظاهراً في تنظيم العصيان المدني والذي قاد للانتفاضة الشعبية. ومهما يكن من أمر فإن الانتفاضة آتت أكلها ونجحت ثورة لا مثيل لها وإن حاول كثيرون تبنيها.