كثيراً ما تحدث الأخطاء في (فصيلة الدم) نتائج تؤدي إلى الموت، وهذا أقل الأشياء ولازلت أذكر أن أحد المدرسين بدولة الإمارات كان يحمل بطاقة (السواقة) وتحتها أن فصيلته هي (O+ve) والرخصة منذ أكثر من عشرين سنة، وقد أدخل عملية بمستشفى الفجيرة وكان الطبيب من أنجح الأطباء وفريقه من الأطباء على قمة من العراق ومن الهند ومن السودان.. قبل إدخاله العملية (الكبد) عرضت طبيبة هندية على رئيس القسم أن يتم كشف الدم، وبالفعل وضح أن فصيلته ve - O وليس كما كان موجوداً على رخصة القيادة، ولهذا فقد تم تأخير إجراء العملية بعد فحص الفصيلة على ثلاثة معامل بالفجيرة، واتفقت جميعاً على ve - O وتم إجراء العملية بعد يومين وكانت ناجحة للغاية، وقد أصدر مدير المستشفى خطاب شكر للطبيبة الهندية، ولهذا نوصي في السودان أن يعاد فحص الفصيلة مرة أخرى ونكون بذلك قد قفلنا أمر الخطر. لن أنسى وأنا بالإمارات تكلفة أحد السيدات الإماراتية أن أشرف على بناء مسجد لها في أي مكان، ومهما كلف وأخذت إجازة على (خفيف) وقام ذلك المسجد وأسميناه على أسرتها (مسجد الكندي) وقد قام بافتتاحه الأخ (عمر حسن البشير) رئيس الجمهورية عام 1996م، ولايزال المسجد قوياً عملاقاً والشيء الذي ظلت تلاحقني به تلك السيدة ورغم تركي الإمارات إنها تطالب بكثير من التعديل والإضافات، بل إنها ومنذ ذلك التاريخ تصرف على الصائمين في رمضان على حسابها الخاص، والأعداد تصل إلى مائة ويزيد. استطاعت كلية الطب بجامعة الجزيرة ونحن في الإمارات أن تحقق المركز الأول على كافة كليات الطب في العالم العربي وقد كان انتصاراً رهيباً ورائعاً ورفع رأس السودان عالياً، وقد قمت بنشر ذلك الخبر العظيم بجريدة (الخليج) بالشارقة، وقد لفتت نظر الجميع وحتى أن سفير السودان آنذاك في أبوظبي أرسل مندوباً له للشكر لأني أوضحت أن السفارة كانت نائمة ولم تسمع ذلك الترتيب الذي أخاف أعلى الكليات العربية وأذكر أن الجائزة الأولى كانت بيد سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم وكان وزير المالية بالإمارات وقد قام بتسليم الشيك لوزير التعليم العالي بالسودان، ولا ندري أين ذهبت تلك الأموال الكبيرة؟! السؤال لايزال قائماً: هل تعلم جامعة الجزيرة ومدير الكلية بالجامعة هذا الأمر؟! وهل سلم وزير التعليم العالي ذلك المبلغ للجامعة؟! ألا تزال كلية الطب تحمل نفس التفوق ويمكن أن تنافس مرة أخرى وتعيد ذلك الترتيب إلى مكانه؟ ألا تزال هي (الأولى) ولو على الهواء ؟ لا أظن ذلك!!. وبعد سنوات طويلة من الانتظار والمماحكات والتطويل والتسويف، انعقد الأحد اللقاء التشاوري للأحزاب وقيادات العمل السياسي السوداني في حضرة الرئيس عمر البشير، وسط حالات من الاندهاش والترقب والقلق والأمل والألم، والخوف والوجل من المرحلة المقبلة التي يكتنفها الغموض. المتأمل للحضور الكريم يلحظ تواجد شخصيات قيادية بارزة مارست السياسة، وعملت فيها- أقصد كلمة عملت- لأنهم اتخذوها مهنة طوال عمرهم المديد بإذن الله، عملت فيها منذ الاستقلال، ونافحوا من أجله حتى تحقق، ثم واصلوا المسيرة تأييداً ومعارضة لمختلف الأنظمة التي جادت بها عقلية العسكر والمدنيين دون أن تستقر البلد على حال.. وقفت متأملاً إياهم، متفحصاً كلماتهم ومفرداتهم وابتساماتهم المخلوطة بين الباهتة والمصطنعة، بين الصادقة والخادعة، ونظراتهم التي اكتساها إطارات على جانبي الصدغ، وهي شاردة بنا عبر كلمات ظلوا يرددونها بالألسن منذ نعومة امتهانهم السياسة. العجيب في الأمر أن جل المتحدثين اتفقوا على معاني الحرية والديموقراطية والسلام، رغم أن الكثير من المؤثرين فيهم كان يعتبر تلك الكلمات نبتاً شيطانياً يجب معاقبة ومحاسبة ومضايقة من ينادي بها.. سبحان محول الأحوال من حال إلى حال.. نفس هذه الألسن تنشد بكلمات رنانة ذات وقع جميل على آذاننا التي اشرأبت نحو القنوات التلفزيونية في سهرة امتدت للحادية عشرة مساء بحثاً عن طوق نجاة أو منح فوقية تزيل عن كاهلنا وعثاء الطريق الذي ظل متعرجاً لعقود طويلة، وقد كان بعض منها. خلف بعض اللافتات التي يبدو أن بعضها كُتب على عجل وسط الطاولة المستديرة، برزت أسماء لأحزاب وحركات مع إطلالة الكثير من الوجوه الجديدة على معترك الساحة السياسية، مرددة نفس كلمات المحترفين، متغنية مع غيرها بأنشودة التي حاربناها طول السنوات الماضية بكل الأسلحة الفتاكة المحرم منها والمباح، دون أن ترمش لنا طرفة عين، واليوم نرهق أنفسنا لإعادتها. لا نريد للشعب السوداني أن يجرب المجرب، في ظل ثبات القناعات داخل القلوب مع ترديد شعارات براقة وجذابة بالألسن حتى لا يكون ناطقوها نشاذاً بين الحضور.. ما طاف حوله المجتمعون تطرب له كل أذن ويخفق له كل قلب، وتسعد به النفوس المتعطشة لتلك الأماني (السندسية)، وفيها شيء من حتى.. نعم لأن ذاك التمثيل داخل القاعة لا يرضي تطلعات الأجيال الجديدة التي غاب صوتها ولا يشبع طموحاتهم، جيل لا يفرق بين أطروحات أو زعماء الأمة القومي والأمة الفيدرالي، وبين المؤتمر الشعبي، والمؤتمر الوطني، وبين البعث الإشتراكي العربي، والبعث السوداني بكل أجنحته رغم انقراضها في ديار المنبت.. جيل لا تأسره الكلمات المعسولة بقدر ما تستهويه وترضيه الأفعال على أرض الواقع.. جيل يستعجل النتائج في عالم لا ينتظر المتأخرين والمتكاسلين. هذا اللقاء الذي سمي تشاورياً جامعاً كان يمكن أن نختصر طريق نتائجه وعناء الحديث فيه وحوله بل وإزالة الكثير من الغبن الدفين الذي حاق بمسيرة الوطن طوال عهده الحديث.. فقط لو أرادوا وصدقت النوايا. فاصلة: فضاءات الأمس تمت كتابتها للنشر في يوم اللقاء الجامع، ولأسباب تم تأجيلها ليومين، ما لزم التنويه للقارئ الكريم الذي تسعفنا دائماً فطنته في مثل هذا الإرباك والإرتباك.