سميت بأم ضل لأن ظلال أشجار الحراز الضخمة تغطي سوقها الكبير وهي مدينة صغيرة تقع شمال غرب مدينة الفاشر على بعد 82 كيلو متراً تقريباً، فيها رئاسة الوحدة الإدارية التي تتكون من ثلاث عموديات كيلا- بيرا- مالا، ومحكمة أهلية برئاسة الشرتاي التجاني محمد صالح أحمد مندي ومركز صحي وبعض المدارس وهي المولود الشرعي لمدينة كوبي الأثرية التي تقع شرق منها على مسافة عشرين كيلو متراً تقريباً التي دمرها وخربها وشرد أهلها الأهوج عثمان جانو في القرن التاسع عشر الميلادي، فمنهم من نزح إلى مناطق كورما، طويلة، كوما، قرضيات كفوت وأبو سكين.. ومنهم من هاجر إلى مدن الفاشر، النهود، الأبيض وأم درمان.. ومنهم من بقيّ والآن التاريخ عاد نفسه. وكان سكانها من قبائل التنجر، البرتي، الفور، الزغاوة، الهوارة، الجوامعة، العركيين، العبدلاب، أولاد مانا «الجعافرة»، الشرفة «الأشراف»، العريقات، الجعل، البديرية، المحس، الحسانية، الفونج، المغاربة، الكنين «طوارق» وغيرهم. تلك القبائل كلها قد تصاهرت وتزاوجت واندمجت في بوتقة اجتماعية واحدة فصارت سحنتهم واحدة ولغتهم العربية والعادات والتقاليد واحدة، وأصبح لا يعرف الشخص أنه من هذه القبيلة أو تلك إلا بذكر أشياء محددة مثل الحواكير أو البوبايات «قرى قديمة» مندثرة فيها مقابر ورماد نار تقابات الخلاوى والشقف «كسار أواني فخارية» أو الوشم على البهائم. أهل المدينة كانوا يعملون بالتجارة والحرف الصناعية مثل صناعة الدمور، العناقريب، المراكيب، الأواني الفخارية، السروج، الحراب، السكاكين، الفؤوس، السيوف وغيرها. أما أهل الأرياف من المزارعين كانوا يزرعون الحبوب الغذائية مثل الدخن والماريق «ذرة»، عيش الريف- أبو بن أباط «الذرة الشامية»، البطيخ، التبش، الكركدي، السمسم، الفول السوداني اللوبيا البيضاء «قرن الكبش- كجنقني».. ومن الخضروات والبقوليات والتوابل الضرابة، البامية، الشطة البنضورة «طماطم»، رزقة «قرعة»، بصل، فجل، ثوم، كسبرة وغيرها.. والرعاة يربون الإبل، البقر، الضأن والماعز.. وكان للمدينة مواردها الطبيعية مما مكنها من أن ترتبط تجارياً بمصر عن طريق درب الأربعين التاريخي المشهور، حيث كانوا يصدرون إليها الإبل، سن الفيل، ريش النعام وفارغ بيضها وجلود النمر وجلود الزواحف «أصلة». ومن ثمار الأشجار الصمغ العربي، عسل النحل، الشمع، السمسم، حب البطيخ، القرض، اللالوب، النبق وبعض الأعشاب. كان الحجاج القادمون يسلكونه مروراً بمدينة الجنينة في غرب السودان إلى كبكابية كوبي حتى أراضي كردفان السلطنة الزرقاء إلى مدينة سواكن ليعبروا البحر الأحمر إلى الأراضي المقدسة. وفي القرن الثامن عشر جاء مع المصارة «الناس العائدين من مصر» شخص يدعى حسين «ود عماري» مصري الجنسية من أصل جزائري ومعه بذرة التمباك فزرعها لأول مرة في شواطيء وادي النيل جنوبالمدينة فصار يحصده ويعبئه في بروش ويرسله مع التجار إلى مصر لبيعه هناك ليعود إليه بالنقود، وهناك أي في مصر يسمونه نفة يشمونه شماً وهو خام غير مصنع ومات ود عماري ودفن في تلك المنطقة وقبره واضح المعالم حتى يومنا هذا.. وشيئاً فشيئاً انتشرت زراعته فشملت مناطق طويلة كورما كوما قرضيات كفوت أبو سكين وغيرها. وانتقل استعماله من مصر إلى شمال السودان، وعندما علم التجار بذلك نقلوا تجارتهم إلى مناطق دنقلا، القولد، أرقو، دلقو، الدبة وغيرها وصاروا يصنعونه كما نراه اليوم. والآن قد أصبح المحصول النقدي الأول في تلك المناطق وقد ساعدت على ذلك عوامل كثيرة طبيعية وغيرها، منها قلة هطول الأمطار والزحف الصحراوي الذي أزال القطاعين الشجري والنباتي والتعامل الجائر مع البيئة فقضيا على الحياة البرية والثروة الحيوانية بجميع أنواعها إلا الإبل، لذا صار المواطنون في هذه المناطق يعتمدون في حياتهم بعد الله تعالى في كثير من الأحوال على عائدات هذا التمباك!!.. فمصائب قوم عند قوم فوائد.. ورب ضارة نافعة.. ولكن ضره أكثر من نفعه. وهذا النبات شتوي يحتاج إلى الجو البارد وشيء من الرطوبة في التربة الطينية في شواطيء الوديان وفي هذه الأيام هناك حملة إعلامية عاتية تنادي بسن قانون يمنع زراعته وتصنيعه واستعماله لأنه ضار بصحة الإنسان. وعلى جهات الاختصاص وقبل إصدار ذاك القانون المرتقب وإنزاله للتنفيذ عليهم بإرسال الباحثين الاجتماعيين لدراسة أحوال المواطنين في تلك المناطق دراسة متأنية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتقديم المقترحات لإيجاد البدائل المجزية وتطبيقها عملياً وتدريجياً حتى لا يأتي تنفيذ القانون سالباً على حياة المواطنين. وهذا ليس دفاعاً عن التمباك وإنما هذه هي الظروف التي يعيشها المواطنون هناك في سنين الجفاف. ومن هذا المنبر وبالصوت الجهور باسم مواطني هذه المناطق نطالب جميع أهل الاختصاص في الحكومة الاتحادية والسلطة الإقليمية وولاية شمال دارفور عليهم بإرسال المهندسين الجيلوجيين للقيام بتحديد أماكن أحواض المياه الجوفية لحفر الآبار، ومهندسي السدود والحفائر لتحديد أماكن تجمعات مياه الأمطار لتشييد السدود والحفائر لحصاد تلك المياه واستخدامها في الزراعة بالرش أو التقطير أيهما أفضل.. وعلى المهندسين الزراعيين القيام باستصلاح وتسوية تلك الأراضي وتخطيطها لتكون صالحة للزارعة. وإذا توفرت المياه هناك أراضٍ صالحة لزراعة القمح والنخيل ويمكن تغيير الأراضي الجرداء الجافة الكالحة إلى خضرة نضرة ووجه حسن وإنتاج وفير وخير من الثمرات، وبنفس القدر تطبيقها في أماكن المراعي الجيدة البعيدة من المناطق الزراعية حتى لا يحصل احتكاك بين المزارع والراعي. وفي كل هذه الخطوات يمكن استخدام أموال تنمية دارفور المنصوص عليها في وثيقة الدوحة للسلام وأموال المانحين واليوناميد وأموال الزكاة والتموين الأصغر وغيرها من المصادر، وأن تمنح الأسرة مائة كتكوت هجين ومعزة مهجنة لتلائم البيئة وتدريب المرأة على رعايتها والاستفادة منها وبذلك تتم صناعة استتباب الأمن والاستقرار والتعايش السلمي.. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وعلى الله التوكل وبه الاستعانة ومنه التوفيق ويد الله مع الجماعة.