الاسبوع الماضي كان اسبوع البرلمان وأحاديث الفساد و«استغماية التحلُّل» وصحوة الرأي العام بامتياز.. تمدد حديث الفساد وانداح في الصحافة المحلية والمواقع الإسفيرية بين شامت وشاجب ومطبطب وحادب، وقليلون حاولوا إمعان النظر وفهم «الظاهرة» في أبعادها الحقيقية وتحليلها بموضوعية بعيداً عن العواطف. ü بين كل هذا الضجيج والصخب استوقفني بشكل خاص حديث الفريق (أمن معاش) صلاح عبد الله قوش نائب مروي بالبرلمان، ومساهمته المهمة في ذلك النقاش الذي انتظم البرلمان حول الفساد على ضوء النار التي اشتعلت في مكتب والي الخرطوم وما رافقها من تسوية بمادة «التحلل» في قانون «الثراء الحرام». ü النائب قوش العائد إلى مقعده في البرلمان بعد غياب حتمته تهمة الإشتراك في محاولة إنقلابية.. تلك التهمة التي تحلل فريقها من غياهب السجن بعفو رئاسي استصحب وشيجة الرفقة الطويلة و«الملح والملاح»، تحدث بحماس وصراحة يحسد عليها، وهو من هو في عالم الأسرار والمعلومات المكتومة والمختومة.. وكشف أمام النواب- ومن ثم للرأي العام- عن «ضغوط وأوامر» تمارس على وزارة المالية للصرف خارج الموازنة. ü قال قوش: «في أوامر وضغوط ادفعوا لفلان وعلاّن».. إن هذا الأمر كان خصماً على الاحتياجات الاساسية، مضيفاً «دا يؤدي لعجز في أن نجيب الدواء والقمح وغيره».. واعتبر تشييد المؤسسات الأمنية لمباني بقيمة (5.2) مليار دولار جريمة بينما بلغ عجز الموازنة العام الماضي (2.1) مليار، ودعا المراجع العام للاهتمام بالأمر وسد الثغرات و «الرقابة القبلية» على المال العام، ووصف ما يقدمه المراجع العام من مخالفات بالضعيف مقارنة بحجم إيرادات الدولة، وقال إن هناك مخالفات أكبر لا يحاسب عليها القانون تؤثر على الاقتصاد «بجرائم تبديد المال العام» والصرف غير الرشيد.. وشدد على ضرورة سن قوانين لاتاحة المعلومات للشعب السوداني. ü كلام جميل.. ورأي سديد.. وصراحة مشكورة مأجورة.. ولكن.. لكنَّ كل هذا الكلام والرأي والصراحة وهي تتفجر من صندوق الأسرار والمعلومات الفريق (م) صلاح عبد الله (قوش) تذكرني بفريق كرة قوي شديد المراس ظل يلعب- بين الهجوم والدفاع- طوال 90 دقيقة- هي زمن المباراة وانتهى مع خصمه بالتعادل السلبي، ثم ذهب للراحة ليستأنف اللعب في الوقت الإضافي، وبدأ يبذل جهداً مُضاعفاً في محاولة لانتزاع الفوز بأي ثمن، مستغلاً جميع مهاراته الفردية والجماعية في الاستفادة من الهجمات المرتدة والباصات البينية. ü الفريق صلاح قوش كان حتى عهد قريب هو الرجل الأول المؤتمن على «الأمن القومي» للبلاد، وقبلها ولسنوات طويلة- بعمر «الانقاذ»- كان مسؤولاً كبيراً في هذه المؤسسة الموكول إليها حماية السودان عبر توفير المعلومات الضرورية لمواجهة جميع الغوائل.. غوائل التدخل الأجنبي بالتجسس والتحسس.. غوائل الإرهاب.. وغوائل «التخريب المالي» المفضي لانهيار الاقتصاد الوطني.. فماذا فعل السيد قوش في صميم تكليفه و«توصيفه الوظيفي» هذا؟ ü سؤال بريء جداً.. ومنطقي أيضاً، بناءً على ما صرح به الفريق (م) قوش من تحت قبة البرلمان وتداولته الصحافة والأسافير كما أوردنا ملخصه أعلاه: لماذا صمت قوش طوال هذه السنوات عمّا أفصح عنه الآن- بشكل فاجأ الجميع- افصح عن الضغوط والأوامر التي تصدر للمالية للدفع «لفلان وعلان» خارج الموازنة؟!.. ولماذا لم يعترض على الإنشاءات والعمارات البذخية التي تكلف المليارات ولا تضيف لقوة البلاد أو أمنها شيئاً وتبدد موارد للبلاد في حاجة ماسة لها لمواجهة فواتير القمح والدواء ومحاربة الفقر والجوع؟! ü ألم يكن منصبه الرفيع في قمة «الجهاز» يؤهله لأن يسدي النصح ويزوِّد المرجعيات العليا بالحقائق والمعلومات المقنعة حول مخاطر «الهدر والتبديد» الذي تمارسه جهات تنفيذية رصدتها «أذرعه الاقتصادية»؟!.. هل كان يحتفظ بهذه المعلومات والحقائق الخطيرة لنفسه أم يعرضها على رؤسائه؟!.. أم هل عرضها وألحّ عليها ولكن لم تجد التجاوب والاستجابة؟!.. وإذا كان عدم السماع والتجاوب قد حدث بالفعل، فماذا كان موقفه من واقع مسؤوليته الوطنية؟!.. لماذا لم يستقل ويغادر موقعه ويعلن موقفه للشعب الذي يطالب اليوم باتاحة المعلومات له؟!.. لماذا انتظر حتى تتم اقالته وينقل مستشاراً للأمن القومي؟! .. وحتى هذا الموقع الأخير- الاستشارة في شؤون الأمن القومي- ألم يكن يؤهلهُ لتقديم النصح حول المخاطر الاقتصادية والفساد الذي يضرب مفاصل الدولة ويهدد النظام، عوضاً عن الانشغال بشؤون الأحزاب ومبادرات الصلح السياسية كما كان يفعل من خلال مؤسسته التي ابتدعها في ذلك الحين؟! ü كل تلك اسئلة مشروعة تتفرع وتتناسل من إفادة السيد صلاح قوش أمام البرلمان، خصوصاً بعد أن سمعنا وقرأنا أنه انضم إلى جماعة مستحدثة «برلمانيون ضد الفساد» التي افرزتها الفضائح المدوِّية الأخيرة.. فهل كان الفريق (م) صلاح ينتظر حتى يجري كل ما جرى، وحتى يتسع الخرق على الراتق ليقول ما قال وليتحفنا من خزانته بكل هذا «المثير الخطر»؟!.. أليست هذه محاولة لتسجيل هدف أو أكثر في الوقت الإضافي!