عاش تفاصيل القصة ،يرويها كاملة من القاهرة: مصطفى ابو العزائم : الزيارة الى مصر كان مرتبا لها منذ عدة أسابيع ، الدعوة تبنتها الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ، وهي ذراع مصر الإعلامي القوي في الداخل والخارج ، من خلال آلاف المراسلين في الداخل والعشرات خارجها يبلغ عددهم ( 89 ) مراسلا في (88 ) دولة حيث تستأثر الولاياتالمتحدةالأمريكية بمراسلين اثنين دون سائر دول العالم ، كما قال لنا نحن وفد الصحفيين والإعلاميين الافارقة ، بذلك السيد السفير صلاح الدين عبد الصادق احمد ، رئيس الهيئة ، والذي لم يكد يغيب لحظة عن كل اللقاءات التي كانت مضمنة في برنامج الزيارة ، رغم كثرتها وتنوعها وتعددها ، لا هو ولا الكثيرين من منسوبي الهيئة . تلقيت الدعوة اول ما تلقيتها شفاهة من السيد المستشار الإعلامي بسفرة مصر في السودان الاستاذ عبدالرحمن ناصف ، وقال لي أن اتصاله الهاتفي الأول لمعرفة ان كنت سأقبل الدعوة ام لا ، مشيرا الى ان رفيقي في الرحلة سيكون هو الاستاذ احمد البلال الطيب الصحفي الكبير والمخضرم ، وقد حمدت الله على ذلك ف ( الرفيق قبل الطريق ) او كما نقول دائماً . ندما تحدثت بعدها مع الآستاذ ناصف قدم لي شرحا مختصرا لبرنامج الرحلة وقال أنها سوف تستمر لمدة عشرة أيام ، وستتضمن لقاءات بعدد من كبار المسؤولين المصريين ، وفي مقدمتهم المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء ، إضافة الى عدد من الوزراء من بينهم وزراء الخارجية والري واستصلاح الأراضي والسياحة وآخرين ، الى جانب الاشتراك في ندوات داخل بعض المراكز ودور الصحف المصرية ، ولم يكن واردا قط أي لقاء او مقابلة صحفية مع أي من المرشحين الرئاسيين الاثنين المشير عبد الفتاح السيسي ، والأستاذ حمدين صباحي . هنا طلبت من الاستاذ عبدالرحمن ناصف ان يقترح على منظمي الزيارة ومهدي برنامجها ادخال مقابلة المرشحين الرئاسيين في البرنامج ، وقد وعدني ، وقد فعل وأوفى بما وعد ، لينقل لي بعد أيام قليلة موافقة الهيئة على المقترح ، وقد اعتبرت ان هذه الموافقة تعني الكثير في نتائج الزيارة ، وان محصلتها ستكون عالية القيمة ، في هذا الوقت الذي نريد ان نتعرف فيه على الطريقة التي يفكر بها المرشح الرئاسي الأوفر حظا في انتخابات الرئاسية المصرية التي ستنطلق في السادس والعشرين من هذا الشهر ( مايو ) وتستمر حتى اليوم السابع والعشرين منه . الآن اصبح ليًًًْ حافز إضافي أكبر حتى لا التقاعس عن تلبية الدعوة لأي سبب من الأسباب ، وتقرر أولا ان تكون الزيارة من العشرين الى الثلاثين من أبريل الماضي ، لكن حدثت تعديلات أخرت الموعد الى الأول من مايو الحالي وحتى العاشر منه ، وقد بدأت في موعدها الجديد بالفعل ، وكانت برامجها ناجحة الى ابعد حدود النجاح ، ولم يكن أي من زملائي الصحفيين والإعلاميين الذين يمثلون دول حوض النيل يتوقع ان نلتقي بالمشير السيسي اذ ان البرنامج المطبوع لم يشر الى ذلك وان كان قد أشار الى لقاء مع المرشح الرئاسي الاستاذ حمدين صباحي ، ولم ارد ان أقول لهم ذلك ، اذ ربما لايحدث ذلك لأي سبب من الأسباب . صباح الثلاثاء الأول من امس ، علمت بالأمر وتقرر ان يكون اللقاء في احد فنادق القاهرة الحديثة بمدينة نصر شرق القاهرة ، وهو ما يمكن ان نطلق عليه منطقة ( مؤمنة وآمنة ) حيث كان المشير عبدالفتاح السيسي قد تعرض الى محاولتي اغتيال سبق ان نجا منهما خلال الفترة الماضية ، وقد قال ذلك بنفسه للمصريين في اول إطلالة تلفزيونية له قبل أيام . تحركنا باكرا نحو مدينة نصر ، وتوقفت بنا السيارة أمام مدخل احد الفنادق الفخمة والحديثة يحمل اسم ( الماسة ) علمت لاحقا انه واحد من استثمارات القوات المصرية الفندقية ، رأت السلطات ان يكون هو مكان اللقاء ، وفق تقديراتها الخاصة وكان معنا السيد السفير صلاح عبد الصادق غير مرافق ينشأ الرسميين ، وقد استقبلتنا هناك عند بهو الفندق الفخم وداخله سيدة في مقتبل العمر عرفتها بنفسها أنها الدكتورة منى عقيل العوضي الناطقة الرسمية باسم الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي ، وعلمت لاحقا أنها أستاذة - او مدرسة كما يقول أشقاؤنا في مصر - في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة . لم ننتظر طويلا اذ سرعان ما جاءنا من يخبرنا بان نتحرك نحو المكان الذي سيستقبلنا فيه السيد المشير عبدالفتاح السيسي ، وخرجنا من بهو الفندق الفخم لتجد عند المدخل ثلاث سيارات صغيرة من ذلك النوع المسمى بعربات الجولف ، المستخدم في ميادين رياضة الجولف التي أشاهدها كثيرا ولا افهم عنها شيئا ، وقف السفير صلاح الدين عبد الصادق على اركاب جميع أعضاء الوفد ، ثم أمسك بيدي ويعاني للجلوس الى جانبه في إحدى تلك العربات بموعدها الخلفي الذي يجعل الجالس عليه ينظر عكس اتجاه نظر السائق وبقية الركاب ويجلس عكس جلستهم ، كنا ننظر الى الذين معنا وهم كذلك ، وبدأت في تخيل اللقاء ومكانه وانه لابد وان يكون محاطا بسياج امني محكم الإحاطة ، وان التقي برجل متجهم ، صارم القسمات ، متوتر الأعصاب ، نسبة للظروف التي تعيشها مصر ويعيشها هو شخصيا . وصلنا بعد مسيرة قصيرة وسط خضرة طاغية آنستنا حر ذلك اليوم وارتفاع درجة حرارته الى مستوى لم يعهده أشقاؤنا في مصر ولم نعهده نحن أيضاً هناك في مثل هذا الوقت ، وجدنا لدى وصولنا عند مدخل المبنى الأقرب الى استراحة صغيرة لكنها راقية وفخامة ، وجدنا رجلا احسب انه سيكون من نجوم المرحلة السياسية القادمة في مصر ، وسيكون من اللاعبين الأساسيين في المشهد المصري القادم هو السيد السفير اشرف ، الذي التقيته اول ما التقيته في هذه الزيارة عند استقبال الاستاذ عمرو موسى لنا بجبل القطامية يوم الجمعة الماضية ، وكان ودودا معنا وظل يسألني أكثر من مرة عن الدكتور ابراهيم دقش ، وقال ان علاقة جيدة تربط بينهما ، وأظن انه قد عمل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا فترة من الزمن هي التي وثقت علاقته بالدكتور دقش الى ذلك الحد ، شاهدين ورحب ترحيبا حارا وذكرنا الا أنسى نقل تحياته للدكتور وقد وعدته بذلك وآمل ان يقرأ أستاذنا الكبير الاستاذ الدكتور دقش هذه المادة قبل ان أعود الى السودان لأخبره بذلك مباشرة . عند مدخل الاستراحة الفندقية وجدت رجلا يرحب بنا عند الباب يرتدي بذلة رمادية اللون لكنها زاهية ، ويضع ربطة عنق بنفسجية اللون ، شد على يدي بحرارة مثلما شد على ايدي الذين سبقوني بالسلام عليه ، لا فاجأ وأنا ارفع راسي بان الذي أمامي هو المشير السيسي بنفسه ، فهززت يده بقوة أكثر من مرة ، ورحب بنا ودعانا للجلوس وكنا متقاربين ، يسمع بعضنا بعضا حتى وان كان ذلك همسا . لم التق بأي من رؤساء مصر السابقين لقاء مباشرا او تحدثت اليه وتحدث الي الا الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ، ولكن لمرة واحدة في مطار الخرطوم ، عندما زار السودان عقب الإطاحة بالنظام المايوي ، في العام 1985م ، وكنت وقتها اعمل في صحيفة الأيام الغراء ، وكان معي وقتها زميلي الصحفي الكبير الاستاذ فتح الرحمن النحاس ، وقد وجدنا الفرصة للدخول وتحدثنا للسيد المشير عبدالرحمن محمد حسن سواري لذهب ، والى وزير الخارجية المصري وقتها السيد كمال حسن علي ، الى ان قام الاستاذ النحاس بطرح سؤال اغضب الرئيس مبارك حتى انه انفعل في وجهينا ، وقال : ( أنا ماسمحش لحد انو يقوللي النظام المصري ) والسبب كان ان سؤال الاستاذ النحاس كان قد تضمن تلك الكلمة عندما قال بكل حسن نية :( الى متى سيظل النميري في مصر ولماذا يتخذ النظام المصري موقفا مخالفا لما يريده السودانيون ؟ ) قطعا السيد الرئيس مبارك لم يكن وقتها يدرك أننا درجها على استخدام كلمة ( النظام ) بصورة عادية ولا نرى أنها يمكن ان تكون لها تلك الحساسية ، حيث أننا نستخدمها في بلادنا ونشير بها الى أي نظام حكم قام في السودان منذ عهد الاستقلال وحتى نظام النقاذ في وقتنا الحالي .ولم التق بأي رئيس مصري مباشرة الا من خلال المؤتمرات العربية او الافريقية الفتى أكون مشاركا في تغطية أعمالها مثل مؤتمر القمة العربية الأخير في الكويت الذي انعقد في يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من شهر مارس الماضي بدولة الكويت الشقيقة ، ثم كان لي ان التقيت مباشرة بالسيد المشير طنطاوي إبان الفترة الانتقالية قبيل انتخاب مرسي وسقوطه ، وذلك بمقر وزارة الدفاع المصرية عندما كنت مرافقا لوفد سوداني رفيع قاده الاستاذ احمد ابراهيم الطاهر لتهنئة اشقائنا المصريين بنجاح ثورتهم في الخامس والعشرين من يناير 2011 م . حتى المشير السيسي الذي رايته أمامي لم يصبح رئيساً لمصر بعد وان كنت اعرف انه خيار المصريين الأقوى بلا منازع او منافس ، وقد ضحكت وأنا أقول له ان هذه الفرصة قد لا تتكرر ثانية ، ابتسم ورد علي بأدب جم : ( ليه لا ؟ ده إحنا بنتمنى نوفك تأني وتالت ومرحب بيك في مصر في أي وقت ) ( الرجل مجامل ما في ذلك شك) هكذا حدثت نفسي لأنني اعرف مسؤوليات الحكم في كل مكان ، وهي تشعر الحاكم مثلما تشعر أي مسؤول عن أي عمل ان ساعات اليوم الأربع والعشرين لا تكفي لممارسة المهام ، لكنني انتظرت ان يبدأ اللقاء رسميا حتى استكشف شخصية الرئيس المصري القادم وما كنت احسب ان الذي منحنا له الله من وقت مع المشير السيسي كان أكثر مهم توقعنا ، فقد كنا نتوقع ساعة او اقل لكن الذي حدث هو أننا جلسنا للمشير السيسي لأكثر من ثلاث ساعات تحدثنا فيها معه بكل صراحة ووضوح وتناقشنا معه قضايانا المشتركة فلم يضق صدره بما سمع ولم نمل سماع آرائه في كثير من القضايا ، وكان أكثر ما يهمني شخصيا علاقات بلدينا الشقيقين بعيد عن توترات السياسة المقلقة وقريبا من المصالح المشتركة والمتبادلة وقد وجدت ان ذلك هو ذات ما يرجوه ليس مع السودان وحده بل مع كل دول القارة الاثنين والخمسين .