قبيل الواحدة من ظهر أمس بقليل اتصل بي من أوكل له هذا الأمر من إذاعة (ساهرون) وما أدراك ما (ساهرون)، وهي إذاعة وليدة حديثة، لكنها ذات رسالة شاملة وبُعد عميق، وهي وكما يشير اسمها إذاعة شرطية لكنها تتعامل وفق قواعد مهنية عالية أوجدت لها مكاناً متقدماً، ومنافساً بين إذاعات ال(إف إم) التي غزت أثيرنا الخرطومي وأثير بعض المدن السودانية التي تستقبل عدداً من هذه الإذاعات ذات الخدمة القصيرة الممتازة. ولأن اليوم جمعة، وقد آلينا على أنفسنا أن نخفِّف على قراء هذه الزاوية، الذين هم شركاء (الهم والفرح) والشركاء الأصيلون في (آخر لحظة) آلينا على أنفسنا أن نخفف عنهم بالكتابة حول أمور الفن والأدب والثقافة والإعلام، وكل ما يبعدنا عن عالم ساس يسوس.. لذلك أجد نفسي أكتب عمّا حدث بالأمس بعد محادثة هاتفية تلقيتها من إحدى مذيعات (ساهرون) طلبت مني أن أشارك برأيي في حلقة إذاعية عن النقد في الصحافة السودانية يقدمها الأخ الشاعر والإعلامي الرقيق الأستاذ التجاني حاج موسى، وهو صديق قديم لدرب طويل، لذلك لم أستطع الرفض أو الاعتذار، رغم أنني كنت في طريقي إلى دار اتحاد الصحفيين السودانيين للمشاركة في أول اجتماع للجنة السجل الصحفي في الدورة الجديدة للاتحاد. وعند الواحدة وثماني دقائق تمّ الاتصال من جديد ووجدت نفسي مشاركاً في برنامج (نهارات) الذي يتم تقديمه من إذاعة( ساهرون)، وقد ذكرت ذلك للأستاذ التجاني وللمشاركين بالتقديم في الحلقة حيث أشرت إلى أنهم جمعوا (النهارات) مع (السهر) فضحكوا ورد علي الأستاذ التجاني ببديهة حاضرة: في( عزّ الليل). الموضوع الذي تمّ تناوله كان كبيراً، وأعيد بعض ما قلته في ذلك البرنامج تعميماً له وفتحاً لأبواب الحوار حوله، فقد ذكرت أن الصحافة الحديثة في كل الدنيا الآن تتجه نحو ما يسمى ب(الصحافة الاستقصائية) أي الصحافة (الباحثة) والدقيقة، وأشرت إلى أن مدارس النقد الفني عديدة لكن من أهمّها مدرسة النقد الانطباعي، أي غير المتخصص، لأن القاريء للصحافة اليومية هو قارئ غير مختص في الفنون أو الغناء أو الموسيقى أو الأدب لذلك على الناقد الفني أن يراعي هذا الأمر، وهو نفسه في كثير من الأحيان ربما لا يكون ممسكاً بمفاتيح النقد الفني وفق المعايير والمطلوبات العلمية، وهذا الأمر يتطلب منه أن يكون مثل القاضي، بحيث يتيح الفرص للجميع دون انحياز، وأن يعدل في أحكامه، وأن يكون صوت ضميره المهني أعلى من أي صوت آخر. وذكرت في ذات المداخلة أن أنجح النقاد الفنيين في الصحافة وفي السودان وفي كل العالم، هم أولئك الذين جمعوا ما بين حذق العمل الصحفي إلى جانب اهتماماتهم وهواياتهم الفنية الشخصية، والأمثلة على ذلك كثيرة في بلادنا، لأن أفضل نقادنا إما شعراء أو موسيقيين أو متذوقين أو أدباء أو هواة، ومن بينهم الأساتذة: سليمان عبد الجليل رحمه الله- ، ومحمد يوسف موسى، وميرغني البكري، ومختار دفع الله، وعبد العظيم أكول، والتجاني حاج موسى نفسه، وعزمي أحمد خليل، وعبد الوهاب هلاوي وغيرهم. وفي نهاية المداخلة طلبوا مني تقديم نصيحة لأبنائنا الشباب الذين اختاروا طريق النقد الفني أو الرياضي الصحفي، فقلت: إن النصيحة هي أن يتقوا الله وأن يعدلوا وأن يكون الحكم دائماً هو ضميرهم المهني. المداخلة تضمنت محاور أخرى حول التعرض للأشخاص والابتزاز الذي يتم من قلة قليلة للبعض في الصحف، لكن أطرف ما جاء في تلك الحلقة، هو ما أعقب اللقاء والمداخلة عندما انطلق صوت الفنان حمد الريح صادحاً ومغرداً ب (شالوا الكلام.. جابوا الكلام.. زادوه حبة.. جابوه ليك.. باين عليك صدقتهم) فتساءلت بيني وبين نفسي: إن كان في الأغنية اتهام للصحافة أو اتهام للنقاد عموماً.. وعلى كلٍ نشكر.. ساهرون و..نهارات.. وصديقنا الأستاذ التجاني والذين شاركوه في التقديم والأسئلة ونختم لهم بأبيات مغناة، وجدت لها شهرة واسعة ذات يوم، تقول: شفنا قمر بين الأزهار مالو الليل بقى لينا نهار مع أطيب التحايا لشاعر (عزّ الليل) التجاني ولكل الذين تغنوا لليل والنجوم.. وهم كثر.. ومبدعون. .. وجمعة مباركة