الله يدعونا : إن الله يدعونا إلى الحوار منذ أن خلقنا ،لقد بدأ الله حواراً مع آدم بعد أن أكل من الشجرة المحرّمة، والرب الإله يعرف كل شيء فينا وهو فاحص القلوب والكُلا ،وليس هناك شيء فينا لا يعرفه عنا، ولكنه سأل آدم أين أنت ؟! وهو يعرف أين آدم ولكن ليوقظه إلى حوار مفيد يخلِّصه من شر نفسه . وكان فلاسفة الحوار هم أساتذة البشر،وكانوا أساتذة في الحوار يلقون الأسئلة على التلاميذ ،ويتركوهم يجيبون ويتجاوبون ويتحاورون ،وهكذا كان فلاسفة اليونان أقطاب العلم وحكماء الزمان ،بدءاً بسقراط أبو الفلسفة (399-964) قبل الميلاد الذى جال في الطرقات والأسواق والملاعب يحاور الناس عن الفضيلة والعدل والتقوى، وكان في حواره قد تبنى منهج التوليد حيث يحاول أن يعاون من يحاوره على إستخراج المعرفة من دخيلة نفسه، ومحور فلسفة سقراط في الحوار أن هناك حقائق عقلية ثابتة، يمكن إستنباطها من الحالات الجزئية المتغيرة، وقد جاء أفلاطون(743-724) قبل الميلاد، وهو تلميذ سقراط، وكانت لديه أكاديمية وكانت فلسفته هي الحوار والطبيعة والأخلاق، وقد وصف روسو كتاب الجمهورية لأفلاطون أنه أجمل ما كتب في التربية . وهنا نحن نقدم عدة محطات في الحوار من واقع العهد القديم والذي هو كتاب اليهود من أهل الكتاب، وقد سجَّلها كتاب العهد القديم . محطات الحوار:- 1- في سفر التكوين حاور الله آدم ،وفتح أمامه طريق الإعتراف والتوبة فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟» فَقَالَ:( سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ.، فَقَالَ: مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟، فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ، فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ) (تكوين) 3 : 9 - 31 2- حوار الله مع قابيل بعد أن قتل أخاه هابيل ،وكانت محاولة لفتح باب التوبة أمامه(فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟،فَقَالَ: مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ) (تكوين 4 -9 - 10) 3- وقد زار إبراهيم أبو الأنبياء ضيوف من السماء هم ثلاثة ملائكة ،وتحدثوا معه أن الله قرر أن يبيد مدينتى سدوم وعمورة ،لشرهما وإبتعادهما عن الله ،وهنا دخل إبراهيم في حوار جهير مع الملائكة، مندهشاً أن الله يهلك البار مع الأثيم ،وفي الحوار قال الرب هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله ،وقد سأل إن كان هناك خمسون باراً ، ثم 45 ، ثم 30 ، ثم 20 ، ثم 10 ، وكان الله مستعداً أن يرفع العقاب إن وجد عشرة أبرار، ولكنه لم يجد ، المهم حوار الله مع إبراهيم وحوار إبراهيم مع الله ، ويمكن قراءته في سفر التكوين الإصحاح الثامن عشر. 4- فى سفر أيوب وهو سفر كتب باللغة العربية ،لأن أيوب نفسه كان عربياً ، وهو من ساكني عوص التي تقع في سلطنة عمان ،يذكر السفر حوار الله مع الشيطان حيث يقول : (وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ، فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟« فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: مِنَ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا، فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ، فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ:جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لأَجْلِ نَفْسِهِ، وَلكِنْ ابْسِطِ الآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ)(أيوب-1-6) 5- وفي سفر أيوب حوار أصدقاء أيوب مع أيوب حول الألم بإعتباره قضية من قضايا الحياة المهمة ،وكان أيوب أيضاً يحاورهم وقد قال : (هذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ عَيْنِي. سَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَطِنَتْ بِهِ، مَا تَعْرِفُونَهُ عَرَفْتُهُ أَنَا أَيْضًا. لَسْتُ دُونَكُمْ.،وَلكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَدِيرَ، وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى اللهِ.، أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ.، لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً.،اِسْمَعُوا الآنَ حُجَّتِي، وَاصْغُوا إِلَى دَعَاوِي شَفَتَيَّ.، أَتَقُولُونَ لأَجْلِ اللهِ ظُلْمًا، وَتَتَكَلَّمُونَ بِغِشٍّ لأَجْلِهِ؟، أَتُحَابُونَ وَجْهَهُ، أَمْ عَنِ اللهِ تُخَاصِمُونَ؟، أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَفْحَصَكُمْ، أَمْ تُخَاتِلُونَهُ كَمَا يُخَاتَلُ الإِنْسَانُ؟، تَوْبِيخًا يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمُ الْوُجُوهَ خِفْيَةً،فَهَلاَّ يُرْهِبُكُمْ جَلاَلُهُ، وَيَسْقُطُ عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ؟،خُطَبُكُمْ أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ )(أيوب 1-311) 6- حاور الله أيوب وحاور أيوب الله ( فَأَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ فَقَالَ: ،هَلْ يُخَاصِمُ الْقَدِيرَ مُوَبِّخُهُ، أَمِ الْمُحَاجُّ اللهَ يُجَاوِبُهُ؟، فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ وَقَالَ:،هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي، مَرَّةً تَكَلَّمْتُ فَلاَ أُجِيبُ، وَمَرَّتَيْنِ فَلاَ أَزِيدُ، فَأَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ فَقَالَ: الآنَ شُدَّ حَقْوَيْكَ كَرَجُل. أَسْأَلُكَ فَتُعْلِمُنِي،لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي، تَسْتَذْنِبُنِي لِكَيْ تَتَبَرَّرَ أَنْتَ؟)(أيوب 40 : - 8) 7- كان أشعياء النبي والشاعر العبراني والذي قدم نبواته في عام 740 قبل الميلاد معاصراً للملك السوداني بعانخي الذي أسس المملكة المتحدة بين مصر والسودان،وأستعمل تعبيرات أشعياء في رفع معنويات جنوده الأشاوس مثل قوله يصير الواحد ألفاً: (رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ) (أشعياء 32-60)