فترة الكشوف الجغرافية ابتداء من القرن الثامن عشر الميلادي ومروراً بالقرن التاسع عشر الميلادي، شهدت القارة الأفريقية سيلاً من الرحالة والمغامرين والمكتشفين بعضهم جاء مكلفاً من حكومته وآخرين جاؤوا بتكليف من جمعيات ومنظمات ومجموعة أخرى جاءت على نفقتها الخاصة وجميعهم كان هدفهم الظاهر للعيان المساعدة في الاكتشافات الجغرافية والانثروبولوجية والاجتماعية، ولكن كانت هناك أهداف خفية ومرام من تلك الحكومات والجمعيات والمنظمات الأوربية من أجل السيطرة على تلك المناطق فقد كان بعض من أولئك الرحالة والمكتشفين يمثلون رأس الرمح والطليعة التي مهدت إلى استعمار دول القارة الأفريقية، ولكن ومع كل ذلك فإن ما قدمه أولئك الرحالة أعطى صورة حقيقية للحياة في تلك البلدان والمناطق والقبائل والممالك التي أمكنهم زيارتها والكتابة عنها.. وبعض من أولئك الرحالة والمغامرين دفعوا حياتهم ثمناً لتلك المغامرات ولكن رغم كل ذلك لم تتوقف تلك الرحلات وظلت تتواصل داخل القارة الأفريقية في كل جوانبها وممالكها وقبائلها.. ونشرت تلك الملاحظات واليوميات في شكل كتب وتقارير اتسم بعضها بالواقعية والبعد عن المبالغة في الوصف، ولكن آخرين سايروا القراء وبخاصة قراء الصحف الأوربية في ذلك الوقت بمدهم بأخبار ومبالغات وحكايات غربية كان هدفها الإثارة.. وفي هذه الحلقات نحاول أن نستعرض جانباً من تلك المؤلفات التي صدر معظمها باللغات الأجنبية ولم تترجم منها إلى اللغة العربية سوى كتابات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة:- - من المؤلفات الباكرة التي صدرت باللغة الإنجليزية مؤلفات الرحالة والمكتشف السير صمويل بيكر (1821-1893م) والذي زار السودان خلال الفترة (1860-1870م) كصائد ومكتشف ثم انضم بعد ذلك لموظفي وإداريي حكومة السودان في العهد التركي وأصدر كتابه(إسماعيلية)في عام (1874م) في مجلدين مستعرضاً فيه مغامراته بجنوب السودان والكتاب طبع في لندن وصدر عن (ماكميلان). أما الكتاب الثاني الذي أصدره بيكر في عام (1867م) عن مغامراته بشرق السودان(نهر عطبره والنيل الأزرق)ويقع الكتاب في حوالي(600) صفحة تناول فيها حياة قبائل الشرق (الهدندوة وقبيلة الحمران). - كتاب الرحالة براون (1768-1823م) والذي صدر بلندن في عام (1806م) عن رحلاته في أفريقيا ومصر وسوريا خلال الفترة (1792-1798م) وكان نصيب السودان رحلته بدارفور وتعتبر كتابات براون من أهم المؤلفات التي أمدت الباحثين بالحقائق والأحداث التاريخية الهامة بالمناطق التي زارها وكتب عنها. - كتاب الرحالة الاسكتلندي جيمس بروس (1730-1794م) وضع موسوعة في سبعة مجلدات لتغطي رحلاته خلال الأعوام (1768م) وحتى عام (1773م) وصدر الكتاب من أدنبرة وطبع في عام (1804م) كواحد من أهم المصادر الأساسية في تاريخ إثيوبيا والسودان وبخاصة فترة الدولة السنارية في أواخر أيامها. والكتاب حافل بتاريخ المنطقة والسكان والشخصيات والقبائل وهو مصدر لا غنى عنه لكل يود أن يكتب عن تلك الحقبة أو عن تلك المنطقة (الشرق). - وضع جون لويس يوركهارد (1784-1817م) كتابه «رحلات في النوبة» إثر زيارته لمنطقة النوبة الشمالية والتي زارها خلال الفترة (1812-1814م) ويوركهارد رحالة سويسري، والمجلد الذي أصدر بلندن في عام (1822م) يضم معلومات ومصادر أساسية عن الاكتشافات الأثرية بشمال السودان ويعتبر من أوائل الرحالة الذين قدموا وصفاً دقيقاً للعمائر والمخلفات الأثرية بأرض النوبة بجانب الخرائط الدقيقة التي وضعها والوصف الوافي الذي قدمه عن المنطقة. - موسوعة الرحالة الفرنسي فريدريك كايو (1838-1902م) والتي سجل فيها ملاحظاته ومشاهداته في رحلته التي امتدت خلال السنوات (1820-1823م) زار فيها مملكة (مروي) والنيل الأبيض وفازغلي ومملكة سنار. والكتاب صدر باللغة الفرنسية في أربعة مجلدات، امتازت كتابة كايو وخاصة في جانب الآثار بالريادة والرسومات والخرائط الدقيقة واستفاد منه كل الباحثين الذين كتبوا عن تلك المناطق فيما بعد، كما اتسمت كتاباته بالعقلانية والرصانة والبعد عن الإثارة.