تطرقت في الحلقة الأولى لبعض النماذج.. من رجالات هذا الوطن الرائع عبر بوابة القيم الرفيعة والأخلاق العالية، وهم أصحاب رسالة صادقة لا يعتريها همس المطامع ولا تلازمها أطماع الدنيا.. تراهم صادقين لا يرجون ثناءاً من أحد.. نظرتهم للوطن كيف يكون غداً في مصاف النهوض الذي يجعل من توفير متطلبات الحياة استقراراً يحسه الجميع. أحمد علي قنيف.. بروفيسور في الزراعة.. نال مكانته وهو يتقدم الصفوف في تسعينيات القرن الماضي.. وكان خير مثال للعلمية والمهنية حين اعتلى وزارة الزراعة فانغمس فيها بوفاء ووضع بصمته بنجاح، فنال من جهده نجاحاً منقطع النظير، وفي عهده ارتقت سنابل القمح وكانت فترته جاذبة ومثمرة. البروفيسور قنيف من أبناء ولاية النيل تحديداً دائرة بربر.. نشأ هناك في أجواء يملؤها الصدق في المعاملات وتحفها أدبيات المنطقة، فقام على أسس العرفان فحظي بالقبول لأنه رجل يمتلك ناصية الوفاء لهذا الوطن العريض، ومثله يتنادون لرفعة شأن بلادهم ليلقى الإشادة والتقدير لإخلاصه المطلق. عبد الرحمن حسن عبد الرحمن محافظ بنك السودان.. وهو من أبناء بربر استنشق عبير التطور الاقتصادي وسكب عصارة علمه في دولاب الاقتصاد عبر نافذة البنوك، فكان مجيداً وجاداً وصاحب آفاق اقتصادية لا تخطئها العين... ذو رؤية عميقة في التوازن الحسابي الذي يعدل من انكسار الاقتصاد في المواقف الحرجة.. رجل حصيف لأبعد الحدود في التقدير الاقتصادي، صاحب امكانات تسهم وبشكل ملحوظ في المعاملات المالية عبر نوافذها المتعددة.. ليجد الثقة الكاملة من رئاسة الدولة.. وهو اليوم أحد الشواهد التي تعتمد عليها الدولة في الإصلاح الاقتصادي المنتظر، ويبدو أنه قد رسم قراءة اقتصادية عميقة، يمكن أن تكون منظورة في مقبل الأيام لأنه أصطحابي في الإجادة لحظة الموقف المشار اليه في الوقت والزمان المطلوب، وتلك المعايير تستوجب من الرجال القادرين لبلورتها خروجاً من الأزمات الطارئة.. وأحسب أن عبد الرحمن رجل متمكن في دراسة الأمور المالية.. أقول .. تظل بربر هذه المدينة التاريخية والتي تبعد عن العاصمة القومية شمالاً في محاذاة مجرى النيل بنحو (370) كيلو م أو تزيد... موطناً متقداً بالحركات الثقافية بشتى ضروبها والنواحي التجارية في أعلى درجاتها وهي مدينة.. موسوعة ومرجعية متعددة الأغراض.. لأنها معقل قديم لكل الحركات العلمية والاقتصادية وغيرها.. لذا الهجرة المعاكسة منها لمدن السودان في بدايات القرن العشرين أي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، نالت حظها من الإنفتاح الجاذب فشكلت حينها ثقافة التعامل في النهضة التجارية لتكون أم درمان قبلتهم الأولى، ومن ثم بورتسودان.. وكسلا.. وسنار.. والأبيض.. الرهد وغيرها مركز ثقل لأبناء بربر في تلك البدايات الخصبة، وباعتراف كامل من أهل تلك المناطق. أقول أبناء بربر عندما تناولتهم في هذا المقال وما سبق من مقالات يؤكد أن الانفتاح التاريخي أخذ حظه من العلم والتعلم عبر استبيان أفاض في التأكيد، وأشار لاحقيته المشاركة برؤية ليس فيها ميول إنتمائي بقدر ما هو حق فرض نفسه. أقول يبدو أن واجهة الشخصيات المتميزة قد نالت إشارات وتدوين في مقالاتي.. وسأتحدث في ختام هذا المقال عن البيوت الدينية هناك، وهي تقف شاهداً على عمق التصوف لتظهر بربر كمنطقة جاذبة لأهل الطرق الصوفية كنموذج جاد يفرض علينا الوقوف عندها بأدبيات المظهر النافذ سماحة روحية ورؤية تقديرية لا يمكن تجاوزها. أقول.. أهلنا الريشاب في منطقة الدكة يضعون بصمتهم الروحية عبر مسجدهم العامر وديار الخليفة محمد عبد الكريم الريشابي الذي تولى الخلافة بعد إنتقال والده الشيخ عبد الكريم الريشابي في عام 2000م.. ويرجع نسب هؤلاء القوم من جهة والدهم (عباسي) النسب.. ومن جهة والدتهم.. (حسنيين) مالكي المذهب.. وطريقتهم شاذلية، وقد قامت على الشيخ عبد الكريم الريشابي جهود مقدرة بعد انتقال والده الشيخ محمد الأمين الريشابي في عام 1967م.. حيث نهض لتطوير المسجد في عام 1990م حتى وصل لمرحلته المشاهدة الآن. الريشاب أصحاب هذا البيت الديني تعود هجرتهم إلى بربر قبل (400) عام تقريباً، واستقروا أولاً في منطقة المخيرف (بربر القديمة) بالقرب من الشيخ محمد عبد الوهاب عن طريق جدهم الأول محمد حمد الريشابي، الذي تعلم وتتلمذ على يد الشيخ الحجاز وحفظ القرآن في تلك الفترة الخصبة بعد أن حضر من منطقة (كرقس( الرباطاب لينهض هذا البيت الديني بروح التصوف عبر الطريقة المحمدية الشاذلية المجذوبية.. فالشيخ المجذوب يعد الجد الرابع للشيخ عبد الكريم الريشابي. من هنا سأكتفي بهذا القدر لأحد البيوت الدينية في مدينة بربر التاريخ، وسأسعى جاهداً لأكتب عن البيوت والخلاوي الأخرى، فهي متقدة بنار القرآن والتصوف وحب الرسول صلى الله عليه وسلم.. أسأل الله العلي القدير يوفقني في هذا الشأن المبسط.. وأسأل أهلي في بربر أن يسهموا معي في هذا التواصل.. علنا نحظى بالأجر والقبول ولتكون خير زاد لرحلة طويلة.. لكم التقدير. عضو اتحاد الصحفيين السودانيين