يذهب أهل المؤتمر العام المصعدون للمؤتمر الوطني صباح اليوم «بشالاتهم» المزركشة و«عممهم» المطرزة و«جلاليبهم» الناصعة البياض «المظهرة»، إلى أرض المعارض ببري.. المكان ساحر وجميل وبه قاعات فسيحة و«تمساح» يتوسط البحيرة. في معرض الخرطوم الدولي تأتي الدول والشركات الكبيرة لعرض منتوجاتها للجمهور ولكنها في واقع الحال ليست مخصصة له كسجائر البنسون ذي العلبة الذهبية.. السودانيون يفضلون العلبة المكتوب عليها «صنع خصيصاً للسودان» والعلبة التي تختفي منها هذه العبارة تعتبر مضروبة أو مغشوشة.. البنسون المستورد كان ينافس السجائر المصنوعة محلياً وكانت زهيدة السعر والناس يتندرون على من يستخدمها ويقولون «ده حق المشاطات» وهن نسوه طاعنات في السن يمتهن مشاط شعر النساء.. كانت مهنة رائجة ومهمة وتدر على صاحبتها دخلاً وفيراً ومحترماً.. الأمر الذي يوفر لهن مدخولاً يسمح لهن باستخدام السجائر وما شابه ذلك. في معرض الخرطوم الدولي تستهدف «الصالات» التجار ورجال الأعمال والشركات الكبيرة من أجل «الصفقات». الجمهور يأتي للفرجة والفسحة وتسمح سلطات المعرض لبعض تجار القطاعي بافتتاح بعض المحلات الشعبية التي تبيع بضائع ذات جودة منخفضة وبأسعار زهيدة وأغلبها للأطفال وألعابهم الترفيهية. ويصاحب المعرض افتتاح محلات وكافتيريات لبيع الأطعمة والعصائر والفوشار، وحلاوة قطن وآيسكريم «الشعلة» بلونه الوردي وكريمته البيضاء.. هل هذه المقدمة التصويرية مهمة.. وذات صلة بموضوعنا الأساسي؟! ينطلق اليوم ببري المؤتمر العام للحزب الوطني وهو عبارة عن معرض للحزب يدخله أعضاؤه المصعدون ولا يسمح للجمهور حتى بالفرجة. يعرض المؤتمر بضاعته للتداول والعرض أمام جمهور يراقب من خلال شاشات عرض خارجية ليست بالضرورة منصوبة خارج القاعات.. القوى السياسية و «الدول» والشركات الكبيرة ستراقب «الدورة» وعلى أساس مخرجاتها سيتم التعامل مع السودان وحزبه الحاكم.. هل البضاعة «أصلية» وتتناسب مع الجمهور السوداني مثل البنسون بديباجته التي تشير للسودان.. أم أنها تقليد من أجل الحفاظ على الحزب ومصالح أعضائه واحتكار الحكم وعدم إعطاء الآخرين «نفس» أيام زمان كان أحدهم يقول لمن بيده السيجارة «أديني نفَس وخمِّس لي معاك». هل «سيخمس» الوطني للآخرين أم «يقوم» بالسيجارة وحده ويستمتع بالكيف والدخان والمتعة والآخرون «كاتلاهم القريفة» - بفتح القاف وسكون الراء وفتح الباء - ما يحدث اليوم ممارسة داخلية لحزب قد لا تهم الآخرين على المستوى النظري ولكنها مهمة ومؤثرة وستلقي بظلالها على بلد أوضاعه السياسية معقدة وساحته تمر بحالة احتقان في ظل تردٍ اقتصادي وأوضاع معيشية قاسية جعلت من الحياة اليومية أمراً لا يطاق للأغلبية.. وجعلت الناس تصل لقناعة ثابتة بأن بقاء الحكم في يد حزب واحد لأكثر من ربع قرن من الزمان ترك آثاراً سالبة سدد كلفتها العالية الشعب السوداني كما لم يسددها من قبل.