زامر الحي لا يطرب هي مقولة ومثل سائر شعبي.. يعني ويرمز إلى أن المألوف والمعروف المتردد بين القوم في رقعة بعينها قد لا يثير أو يعجب الناس و (الزامر) هو المنشد أو المغني.. ونورد هذا للقياس والمقارنة لبعض أوضاعنا السياسية أو التنافسية ومنها (أمر) الولاة بتوجهات السودان الماثلة.. وهو (أي السودان) يفضي حراكه لنماذج ووقفات ماضية وماثلة وليس أوقع في نفوس الناس من معايشة الواقع ذاته ومقارنته.. ولا نورد بعضاً منها إلا لتجديد اللوحة وايراد المعلومة للشباب واللاحقين.. وما أوردناه من (مثل سائر) وهو عنواننا هذا لنقول إن إحداثيات تجربة تقديم كوكبة من الرموز والقيادات عبر المجالس القيادية وهيئات الشورى في كل ولاية جغرافية.. هي تجربة في خاصيتها حديثة.. جديدة- كما ذكرت يوماً- أنها اقتباس وتجديد من وقفات الصحابة- رضوان الله عليهم- في المدينةالمنورة.. داخل مبنى البرلمان حينها (سقيفة بني ساعدة) لاختيار خليفة.. وحاكماً للأمة بعد صعود النبي صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى.. ثم كانت التجربة الثانية ايضاً بالمدينة السياسية بعد ذهاب الخليفة (أبو بكر الصديق) والثالثة بعد ذهاب أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) والتي ذكرت لكم فيها أنه عند شعوره بالرحيل أوصى الا يكون ابنه (عبد الله) من بين المرشحين للخلافة لأمر يدركه هو (أي عمر) و أقف هنا لأقول بأن قراءة ومعايشة الظرف قد تنأى وتختلف عما نحن فيه اليوم من حيث شفافية أولئك وعمليتهم وتقواهم اذ يرددون من اختار شخصاً وهو يدرك أن هناك من هو اجدر وأقوى منه فقد خان الله ورسوله.. ثم أننا نعلم أن (الحاكم) أو (الوالي) يملك زمام الأمر كله.. حتى أنه يقول في نفسه لو عثرت (بقلة) (بالطينة) السودانية عند حدودنا مع دولة تشاد وأنا (بكسلا) شرقاً لحسبت أن الله سيسألني عنها لم لم أسو و أؤمن لها الطريق.. مع مقارنة كل ذلك بالبيئة والجغرافية وتطلعات الناس يومها وبين يومنا هذا.. هنا أقف بكم أن الهياكل وقتها- في دولة الصحابة- واليوم ليست تتماثل إلا أن تحريك (الولاة) لليمن أو (القادة) (لدنقلا)- عبد الله بن أبي السرح- لا يتم إلا عبر معايير القوة والدراية والأمانة وأداء الصلاة فجراً بوقتها.. ولاتخضع المعايير لجهة أو قرابة أو تمكين جماعة.. وانما يا أبت استأجره.. إنه قوي أمين.. ثم انكم تدركون معي أن الأمير الأعلى هو ميداني ولا يقف فقط على ما ينقل إليه أو يحكى على انفراد.. كما استدعى يوماً (عمر بن الخطاب) أحد حكام الولايات.. وذكر له أنه يرتدي أثواباً والناس لا يجدون ما يلبسون.. وأنه يختفي عن الناس يوماً كاملاً.. فلا يرونه.. فأوضح (الوالي) وقتها أنه يختفي عن الناس لأن له جلباباً أو قميصاً واحداً فيختفي ليغسله ثم يعرضه للشمس ليجف ثم يضربه كأنه يكويه بالمكواة ثم يلبسه بعد ذلك ليخرج للناس.. والمعني بهذا المثال- المتابعة والواقعية- أو كما كان يحدث للوالي (الفاتح بشارة) رحمه الله- عندما يندس إليه فرد أو نفر ليقولوا عن زيد أو عبيد.. فيقعد أمامه ثم يأتي بزيد أو عبيد ثم يأمره بترديد ما قال.. فتظهر الحقيقة عنده أو عند زيد.. فتوقفت الأكاذيب إلا الحقائق.. أو كما حدث لي أنا شخصياً حين جئت من إحدى الولايات.. فذكر لي المسؤول المعني بنا بالخرطوم بأنني فعلت وقلت أمراً مع جهة هناك.. فطلبت إليه أن يستدعي الجهة تلك لنكون أمامه ثم يذكر ما يريد فعندما قال لي (أي المسؤول عنا)- ما حتتغالطوا بس- قلت له.. لا.. لتعرف الحقيقة وتعدل.. وهكذا الأمثلة وعفواً- قرائي الأعزاء- انما الوالي راعي ومراقب وميداني.. والراعي لا يغفل أو ينام- كما هو معلوم- فإذن نحن اليوم قد ابتدرنا بالسودان تجديداً لمنهج راشد وهو تصفية كل ولاية لعدد محدود من القيادات.. ليتسنى للرئيس أو الأمير الأعلى رفع واحد منهم ليخوض جولة التنافس على رأس الولاية المعنية.. مع آخرين.. من جماعات وأحزاب أخرى وليس هناك من تردد في أنه (أي المنافس) انه رجل المرحلة الظرفية قريباً.. وانه يقرأ التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية وفوارق الاقتصاد والتنمية وتربية الكوادر والقيادات وتعظيم شعيرة الصلاة.. فإن كان هذا هو ميزان الرئاسة فإن الذي تم وجرى بين كثير من الولايات في اختيار هؤلاء.. قد اعتورته منافسات تكتلية- أياً كان اسم هذا التكتل.. وهذا ناتج من حداثة التجربة هذه.. إذ لم يقم السودان في تطورات الحكم على تجربة كهذه.. وهناك ايضاً تحديات واضطرابات داخلية طرفية ورواصد اجنبية.. ثم الحراك السياسي الآخر آخذاً بالمثل الشعبي (عدوك سهرو.. ولا نومو) وانه اذا تمت الاختيارات وانكشف عنها انحيازات وازاحات لم تقم على قاعدة سوية أو مرضية فإن هذا لا يلغي المنهج أو التجربة ولكن قد يعدّل أو يرجيء التنفيذ.. وتجاربنا في مفهوم ان ابن الولاية قد لا يفيد كثيراً وقد يكون محسوداً أو مرصوداً من رصفائه.. فهذا القياس ليس على إطلاقه هكذا.. فأنتم جميعاً قد وقفتم على بعض ما تقوم به ويقوم به من ايجابيات ظاهرة بعض ابناء ذات الولايات ثم تجربة آخرين ابدعوا وهم من خارج ذات الولايات فاحدثوا وئاماً وحراكاً ونماءً.. وهذا هو المأمول والمرتجى.. فإذن سياسة المبادرات ومراجعة التجارب هي إحدى وسائل التمكين وغرز الثقة والتعايش.. وحينما نقرأ الواقع من حولنا ونتملى في مرجعيات كثير من الخلل والتعثرات سنبحث عن المرجعية التراكمية الأقوى ونقارن لنختار.. فنقول: (واجعل لي وزيراً من أهلي هرون أخي اشدد به ازري واشركه في امري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً.. فإنك كنت بنا بصيراً) ثم لنقول: (إنا لا نولي هذا الأمر لمن طلبه)- أي جرى ولهث إليه- كما اثبت المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم من بعد (الحكمة ضالة المؤمن اني وجدها فهو أحق الناس بها..) والله اكبر..