في كتاب (آذان الأنعام)..للمؤلفين عماد محمد بابكر وعلاء الدين محمد بابكر، الذي بلغت صفحاته (415) صفحة، تم رسم سيناريو لعمليات الخلق الأول للإنسان العاقل والكون. هذه السيناريوهات متسقة في محاورها الأساسية مع نظرية دارون (أصل الأنواع) التي أثبتت وحدة الوجود وأثارت جدلاً لدى علماء الدين المسيحي والإسلامي على حد سواء. اقتحامات المؤلف كانت جريئة لأبعد الحدود لمسائل معقدة ومتشابكة تعودنا أن نرى بعض الشيوخ والدعاة يهربون منها. بعض هؤلاء الدعاة تعودنا منهم نوعاً من الإرهاب الفكري يستند على التكفير والتحذير بالخروج من الملة وما ذاك إلا لتغطية عجز فكري لا يريدون الاعتراف به! *** هذا الكتاب يعيد الاعتبار لهذه النظرية العلمية التي لم تكن مرحباً بها لدى رجال الدين عند ظهورها في أوائل القرن السابق، والمؤلفان لا يكتفيان بذلك بل يتمان النقص(عند الحلقة المفقودة) بتأويلات من القرآن والسنة ! تناول هذان المؤلفان بعض الأسئلة التي كانت على بالنا، وتلك التي لم تكن..! وعالجاها بطريقة محببة، إن لم تكن مقنعة في بعض الأحيان! الجديد الذي أتيا به جعلا من معارف قديمة متشتتة وخلقا منها وحدة معرفية شبه متكاملة!! استطاعا أن يقنعانا أكثر من غيرهم أن مكان الكعبة هو بالفعل مركز الأرض، والمسرح الأول للخلق، وأثبتا المقولة القديمة التي كانت تفرق بين (آدم الجنة) وآدم النبي.آدم الجنة هنا اسم جنس يعتبرهم الكتاب مجموعة بشرية، تمثل أول عنصر بشري متفوق، مجعول بطفرة في الخلق. هذه الطفرة هي التي لم يستوعبها الشيطان عندما رفض السجود لآدم! سؤالان كنت أبحث لهما عن إجابة: الفارق الزمني بين سيدنا نوح وآدم النبي ليس أكثر من عشرة أجيال.. أي أن عمر(النبي الأول) في أبعد التأويلات، لا يتجاوز الخمسين ألف عاماً، والعنصر البشري الذي أثبتته الحفريات العلمية عمره يقارب ملايين من السنين، وآخر اكتشاف في منطقة شمال إثيوبيا.. أي الضفة الأخرى من مكان الكعبة (البيت العتيق).هل نلغي نتائج كل هذا الجهد البشري أم ان هناك سوء فهم للقرآن دون أن نحمل المعاني ما لا تطيق ؟ في حواشي فهمنا لهذا الكتاب نجد أن المؤلف بدأ بتناول(وحدة الوجود) وانتهى إلى أن- أصل الإنسان والحيوان والنبات واحد، واستمر متصالحاً مع نظرية(الحياة) التي انطلقت من خلية واحدة(نفس واحدة) وافترض طبقاً لفهمه للقرآن القائل إن الماء هو أصل الوجود، و أن الملائكة والجن أيضاً ضمن هذه الوحدة! .. أليسوا من النوروالنار؟ والماء في عناصره الأولية يحمل النار (هيدروجين وأكسجين)!! نكرر هنا أننا لا نستطيع أن ننقل إلى القاريء ما يشفي غليله، ومن لم يقرأ هذا الكتاب بنفسه سيفوته الكثير من التفاصيل الشيقة!! *** بعد أن ملأ المنطقة الفارغة في نظرية داروين وهي الحلقة المفقودة بين الإنسان الأدنى(نياتردال) الأقرب للتوحش والإنسان(الطفرة) من الكتاب والسنة بعملية(نفخ الروح)، رفض ذلك العداء التاريخي بين هذا العالم ورجال الكنيسة، ثم من بعد فقهاء السلام. رغم أن داروين لم يكن متديناً ،لم يرفض الدين كدين، ولم يقل إن الإنسان أصله قرد، كما يروج له كسالى الفكر وفقهاء الكلفتة الفكرية ولكن الذي فهمته، أنهما تفرعا من أصل واحد!! بل هو مخلوق مكانه في قمة هرم جاء طبقاً لتطور تاريخي بدأ من خلية واحدة. في قمة الهرم اعترف هذا العالم بوجود فجوة، فشل في ملئها علمياً رغم وضوح معنى(وحدة الوجود)!! *** خلاصة ما يمكن أن نقوله بخصوص ما تقدم هي: أن المؤلفين اعتمدا على نصوص قرآنية، وتفسيرالمفسرين القدماء، وفحص المفردات بالقواميس المتخصصة، أحدثا مصالحة بين الحقائق القرآنية، وما ظهر مؤخرًا في حفريات الإنثربلوجيا. أي أن الإنسان الذي ظل (حيناً من الدهر) مطموس الهوية في حالة أقرب إلى الحيوانية هو الأساس الذي أنشأ الله منه الإنسان العاقل المكرم بعملية(نفخ الروح) ،وهكذا أنشأنا الله من(ذرية قوم آخرين) كانوا في مرتبة دنيا في عملية التطور، ولم يكونوا قروداً كما يريد البعض، ليبحث عن ذريعة للهروب! مرحلة نفخ الروح هذه هي التي فشل داروين في فهمها وسماها ب(الحلقة المفقودة)حسب فهمي ! *** فكأنما يقول لنا هذا العالم إنه بحث وفحص وسار في الأرض واستنبط حتى استنفد العقل قدراته، ولكنه في نهاية المطاف وقف في مكان لا يصلح فيه إلا الوحي القرآني! المراحل التي مرت بها عملية الخلق حدثت قبل ظهور(آدم الجنس) بآلاف السنين وهي المشار إليها ب(خلقكم أطوارا) وفي موقع آخر(أنبتكم من الأرض نباتا) ،(ذرية قوم آخرين)!! هذه الأطوار طبقاً لما ورد في هذا الكتاب تفسرها المعاني المختلفة للكلمات، مثل(خلقنا جعلنا أنشأنا نفخنا بأيد)... هذه المصطلحات في عرف المؤلف درجات مختلفة لعملية الإيجاد، الانتباه إليها بين نصوص القرآن مهم جدًا، فآدم أثناء حوار الملائكة مجعول وليس مخلوقاً ،أي أنه (طفرة) عدلت تركيبه كانت موجودة في سلم التطور(انشأ ناه خلقاً آخر)!! *** نواصل في هذا الكتاب ونحن نعلم علم اليقين إن القرآن(حمال أوجه) وهناك مساحات في الفهم، لا أحد يملك اجتيازها بالكامل..