ومرت الأيام سريعة وجاءت اتفاقية السلام وحضر د. جون قرنق للخرطوم واستقبل استقبالاً اسطورياً لم يخطر على بال بشر!! ولم يصدق الناس أن هذا الشعب السوداني يستقبل قرنق بكل هذه النفس العالية الوثابة نحو السلام!! ونحو الرغبة في ترك الحرب وراءه!! أنا شخصياً في ذلك اليوم لم أصدق أن هذه هي الخرطوم التي نعرفها!! لقد تحول جون قرنق في ذلك اليوم لزعيم اسطوري!! وإلى حلم سوداني بأن الوحدة أصبحت قاب قوسين وأدني!! وأيقنت حينها وأنا أرى هذا التدافع الجماهيري «بالمناكب» في الساحة الخضراء بأن هذه الأحاسيس هي امتداد لتلك الكلمات «العفوية» التي قالها لي الناس في شندي والمتمة بأنهم سيستقبلون قرنق بالذبائح و«الكرامات» على مشارف المنطقة..! ولكن ما الذي دعاني لتذكر كل هذه الحكايات التي امتدت لثلاث حلقات؟ ما دعاني لذلك تصريحات السيد ياسر عرمان والتي في رأئي تجيء دائماً عكس الريح!! أو قل هي «مشاترة » في نظر أهل السودان القديم!! لقد قال عرمان بأن السيد سلفاكير ميارديت سيقوم بزيارة للشمال خلال الأيام القادمة!! لا شك أن الناس قد الجمت الدهشة والاستغراب و الغضب ألسنتهم وهم يسمعون مثل هذا الكلام المشاتر والذي جاء Too Late - ما الذي ستحققه هذه الزيارة من نتائج؟! ولماذا تأخرت كل هذا الوقت؟! نعم تأخرت بمقاييس تصريحات القادة الجنوبيين هذه الأيام فكل شيء يدعو للوحدة هو في نظرهم متأخر!! نعم لو كان زار السيد سلفاكير مدن الشمال عقب رحيل الدكتو جون قرنق لكان كل شيء قد تغير!! فالجماهير في الشمال كانت ستخرج لاستقبال القائد سلفا بذات المشاعر التي وجدها الراحل جون قرنق وكانت ستخرج معزية في فقيد البلاد الكبير وتقول لخليفته أنت خير خلف لخير سلف!! ولكن في اعتقادي أن الجهة التي خططت لرحيل قرنق هي التي منعت سلفا من زيارة« شعبه» في الشمال حتى لا يرى المشاعر والاستقبالات الوحدوية التي كانت دون شك ستجعله يتمسك بخيار الوحدة الجاذبة ويعمل بكل ما أوتي من قوة لتحقيق تطلعات هذه الجماهير . إنها جماهير الخرطوم التي خرجت لاستقبال الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر بعد نكسة حزيران 1967م فضمدت جراحه وأنسته أيام النكبة فقال قولته التي سجلها التاريخ في حق الخرطوم وإنسان السودان الذي يعرف معنى الوفاء والمحبة والأر يحيه وتقدير المواقف والزعامات!!. ولكنها الجهة التي تريد حرمان السيد سلفاكير من رؤية لوحة الوطن الواحد الموحد حتى لا يسير في خطى سلفه الراحل نحو «سودان واحد جديد» نتمناه جميعاً..!! نم ربما يزور سلفا مدن الشمال وربما لا يزورها وفي كل الحالات تبقى الغصة في الحلق والحزن سيد الموقف. وفي حالة حدوث الأولى فإن الجماهير ستقول للسيد سلفا لماذا كل هذا؟ وأين مشروع السودان الجديد والذي تقلص وانكمش في رقعة الجنوب وحدها؟!! وفي نهاية الزيارة سيسأل الناس هل هذه زيارة «وداع ومع السلامة» أم زيارة لرئيس دولة شقيقة مجاورة؟