عند العام 1866 اعتلى الملك منليك الثاني العرش ملكاً على مملكة «شوا» وعاصمتها حينذاك «اتتو»، حيث كانت اثيوبيا تتكون من عدة ممالك تحت امرة الامبراطور يوهنس الذي استخدمه الانجليز كبش فداء، وذلك عندما أثاروا الفتنة بين الامبراطور يوهنس والطائفة المسلمة بالأقاليم الغربية بأن هناك تحالفاً قوياً ما بين طائفة المسلمين وحكام المهدية بالسودان، وكان هدف الانجليز إضعاف الدولة المهدية وفعلاً وعند العام 1894م دارت معركة شرسة طرفاها جيوش الامبراطور يوهنس التي قادها بنفسه وجيوش المهدية بقيادة الزاكي طمل، وتم قتل الامبراطور يوهنس، وكانت أول معركة وآخر معركة بين هاتين الدولتين وحتى كتابة هذه الأسطر بعد موت الامبراطور يوهنس سادت اثيوبيا فوضى عارمة حسمها ملك «شوا» منليك الثاني، وبايعته كل الطوائف وبسط حكمه على كل ممالك اثيوبيا وأضحت تحت سيطرته، حيث يعتبر منليك مؤسس اثيوبيا الحديثة وأبدل اسم عاصمتها اديس ابابا ويعني الوردة المتفتحة أو اليانعة أو المزهرة، التي بدأ في استحداثها على الطراز المعماري الجديد وشق الطرق المعبدة والحدائق والقصور، والتركيز على توطيد أواصر الصداقة مع بعض الدول، حيث لم يكترث لطموحات بعض الدول الاستعمارية التي اجتاحت القارة الأفريقية خصوصاً التغلغل الايطالي المتمركز في دولة اريتريا حينها أقدم منليك على توقيع معاهدة مع الحكومة الايطالية التي لم تلتزم بالعهد ويعود السبب طمع الطليان في ثروات هذه البلاد، مما أثار هذا التصرف غضب الامبراطور منليك وبدوره نقض المعاهدة وعند العام 1896م دارت معركة بمدينة عدوى مسقط رأس الرئيس الراحل ملس زيناوي، وكان النصر حليف الأخوة الاثيوبيين، حيث منيت الجيوش الايطالية بهزيمة نكراء نالوا منها الدروس والعبر في فنون القتال ومن أبرز الشخصيات التي لقيت حتفها قائد الفرقة الرابعة الجنرال بنيوتي والد موسليني رئيس ايطاليا إبان الحرب العالمية. الامبراطور تفري مكنن «هيلاسي لاسي» 1893-1976م ولد الامبراطور هيلاسيلاسي بمدينة اجريسو اقليم هرر حيث عين حاكماً على اقليم سلالة ثم اقليم هرر، وفي عهد الملك «نيج أياسو» الذي خلف الامبراطور منليك، اجتاحت اثيوبيا حالة من الفوضى والاضطرابات والنزاعات الطائفية، حيث لعب هيلاسي لاسي دوراً فعالاً في اخماد هذه الفوضى حينها تدخلت الكنيسة وعزلت الملك ليج أياسو وتم تعيين الأميرة يودت ملكة على عرش اثيوبيا وبدورها أصدرت مرسوماً ملكياً يقضي بتعيين تفري مكنن مستشاره الخاص، مما أثار هذا غضب كبير المستشارين بالبلاط الملكي ويدعى «راس غوسكا» الذي قاد انقلاباً عسكرياً مسلحاً داخل القصر نجت منه الملكة بأعجوبة، ويعود الفضل في ذلك لمستشارها تفري مكنن، حيث استطاع اخماد التمرد وتصفية كل الجماعات المتمردة ولم تدم المعركة سوى ثلاث ساعات، مما جعل الملكة تخطو خطوة الى الأمام وتصدر أمراً ملكياً بتعيين تفري مكنن وصياً للعرش وعند العام 1930 توفيت الملكة، وفي تشرين الثاني من نفس العام توج تفري مكنن ملكاً على اثيوبيا، حيث اطلق اسماً جديداً «هيلاسي لاسي» وسلك طريق سلفه وذلك بصهر القبائل متعددة الاعراف في مملكة موحدة جلب من أجلها عدداً وفيراً من الخبراء الأجانب لإدارة الحقل الاقتصادي والقضائي والمعماري والإداري ولكن فجأة توقفت كل محاولاته الاصلاحية والتنموية حيث باغته الغزو الايطالي عام 1935م وكانت الفرصة السانحة للطليان والانتقام من هذه الدولة الافريقية التي دكت حصونهم وأمطرتهم سيلاً عرمرم من السهام والنبال، ورمت بهم في مزبلة التاريخ، حينها اعترفت معظم الدول الأوروبية بأن اثيوبيا أضحت مستعمرة تحت التاج الايطالي، مما جعل الامبراطور هيلاسي لاسي يفر هرباً خفية والتوجه الى الخرطوم ثم الى انجلترا، ومكث بها قرابة الست سنوات متتبعاً الأحداث والأخبار والتطورات العالمية على الساحة السياسية، حتى أتى الفرج عندما دقت طبول الحرب العالمية الثانية، وذلك حينما تحالف موسليني حاكم ايطاليا مع المانيا النازية حينها سارعت بريطانيا للاعتراف بالامبراطور هيلاسي لاسي، وتم نقله تحت حراسة مشددة من المنفى في غضون أيام الى الاسكندرية ثم الخرطوم. الدور الفعال لأهل السودان لتحرير اثيوبيا كانت الخرطوم المحطة الأولى لانطلاق شرارة النضال للكفاح السياسي والمسلح للشعب الاثيوبي، حيث وجه الامبراطور هيلاسي لاسي نداء لعصبة الأممالمتحدة مطالباً إياها بعمل مشترك يهدف لمساعدة الشعب الاثيوبي للتحرر من قبضة الغزاة، حيث لعب السير «ونجت باشا» حاكم السودان في تلك الفترة دوراً فعالاً وذلك بترتيب ووضع الخطة الحربية لثوار اثيوبيا وأشقائهم من أهل السودان الذين وعدهم «تشرشل» بمنحهم أعظم هدية وهي الاستقلال، مشروطاً بشرطين الأول إذا استبسل الجندي السوداني عند المعارك، والشرط الثاني انتصار الحلفاء على النازية، وفي شهر كانون الثاني من عام 1941 وصل الثوار بقيادة الامبراطور هيلاسي لاسي الأراضي الاثيوبية ومكث بقاعدة جوية سرية وتحت غطاء جوي لسلاح طيران الحلفاء انطلق الثوار يساندهم أشقاؤهم من أهل السودان، الذين أسقطوا أول مدينة في قبضتهم وتم تحريرها وهي مدينة كرن، حيث تغلغلت هذه الجيوش نحو العمق وتحرير مدينة تلو الأخرى والفضل يعود لطيران الحلفاء الذي دك حصون وترسانة الآلة الحربية للفاشستية، وفي شهر آيار من عام 1941 استسلمت القوات الايطالية حيث دخل الثوار بقيادة الامبراطور هيلاسي لاسي العاصمة أديس أبابا وجلس على العرش الذي بدوره حرص على تكثيف جهوده من أجل وحدة الدول الافريقية وتبنيه قيادة النضال السياسي لدى المحافل الدولية، رافعاً صوته عالياً منادياً بخروج المستعمر من القارة الافريقية. دور المجتمع المدني الامريكي الفعال لنيل السودان استقلاله صنفت السياسة باللعبة القذرة والدليل على ذلك عدم إيفاء التاج البريطاني بما وعد به أهل السودان وفاء وعرفاناً لهؤلاء الجنود البواسل، لما قدموه من تضحيات حيث مال التاج البريطاني الى المراوغة، مما زعزع ثقة بعض جمعيات المجتمع المدني.. أضف الى ذلك حجب الحقائق والأحداث التي صاحبت الحقائق التاريخية والشعوب التي ناصرت أهل السودان من أجل الحرية، حيث طمس رواة التاريخ نضال بعض هذه الشعوب ومنهم على سبيل المثال المجتمع المدني الأمريكي الذي قاده السيناتور «جون كنيدي» قبل أن ينتخب رئيساً للولايات المتحدة خصوصاً عندما نشطت الدبلوماسية الوطنية السودانية التي تبنت قرارات مؤتمر الخريجين ومن ضمن مقرراته الخروج من الصمت والمجاهرة منادياً بخروج المستعمر مسنودين بالمجتمع المدني الذي تحمل شعار الوحدة والحرية، متمثلة في منظمات إنسانية مدنية تعمل من أجل رفاهية الشعوب والأمن والأمان والسلم والسلام العالمي، والعيش الكريم ومستقبل الأجيال، وخير دليل على ذلك تلك التظاهرة التي نظمتها المجتمعات المدنية من خمسينيات القرن الماضي التي عمت كل مدن الولاياتالمتحدةالأمريكية منادية باستقلال السودان، وذلك عندما طرح نواب البرلمان الوطنيين السودانيين ورقة عمل مطالبين بالاستقلال عند صبيحة التاسع عشر من ديسمبرعام 1955م إبان الحكم الثنائي، وقبل ظهور النتيجة ولامتصاص غضب الشعب الأمريكي خصوصاً السود، وعندما سقط منهم بعض الضحايا اضطر الكونجرس لعقد اجتماع طارئ بموجبه تم الاعتراف باستقلال السودان، وبذلك تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية أول دولة تعترف بجمهورية السودان، مما نتج عنه رابط اجتماعي سياسي اقتصادي بلغ القمة في عهد الرئيس الراحل جون كنيدي، حيث لم يكتف الشعب الأمريكي عند هذا الحد بل انهال بالهدايا للشعب السوداني أشهرها المعونة الأمريكية التي ما تزال بعض هذه المنشآت التي تم تشييدها في تلك الحقبة من الزمان شامخة الى يومنا هذا، كل ذلك تحت وصاية الرئيس جون كنيدي الذي بدوره أعطى هذه العلاقة عناية خاصة في حياته السياسية، حينها فطنت الأيدي الخفية لهذه العلاقة المتنامية والسخاء الفياض، حيث حركت الأيدي الخفية عملاءها لتصفية عراب هذه العلاقة وكان ذلك عام 1963م عليه إن كان هناك مجتمع مدني ضحى ببعض أفراده من أجلنا إذن وجب علينا أن نعي الدروس والعبر وأن يكون الاحتفاء بهذا اليوم الوطني احتفاء مرتدين وشاح الخلق القويم لباساً وطنياً خصوصاً الشباب رافعين راية الكفاح من أجل الحرية والرفاهية والعيش الكريم، وتفجير الطاقات لبناء الوطن والنهوض به نحو المستقبل المشرق للأجيال القادمة والتباهي به أمام شعوب العالم تقودون عجلة التنمية، حيث الاحتفاء باليوم هو جرد الحساب للعام الماضي وما قدمناه لهذا الوطن لأن الأحداث التي عشناها في السنوات الأخيرة والاحتفاء باليوم الوطني نجد أن الوطنية انعدمت عند أهل السودان خصوصاً الشباب والكل شاهد المناظر المخجلة والأفعال المشينة متمثلة في معاكسة الفتيات، ورشق المارة بالمياه، والتسكع، وحشو البطون والهامبرقر والهوت ضوق، ورمي لفافات نفاياتها على قارعة الطريق، حيث المثل من كان همه بطنه فقيمته ما يخرج منها.