ظروف السودان حالياً داخلياً، والظروف المحيطة به من الخارج تتطلب دراسة عميقة متجردة علمية تشير الى حلول عملية يخرج بها سليماً في كيانه وأمنه وأمن مواطنيه.. الخطوط الرئيسية لهذه الدراسة تبدأ بوضع معادلة واقعية وتحليل طرفي المعادلة بالطريقة المعروفة باسم تحليل (Swot) وهي أربعة أحرف انجليزية ترمز الى نقاط القوة- الضعف- الفرص والمهددات Strengths, Weaknesses, Opportunities and Threats طرف المعادلة اليمين- المؤتمر الوطني زائداً الأحزاب الموالية زائداً حركات دارفور الموقعة على اتفاق الدوحة نقاط القوة: أولاً: حكم المؤتمر الوطني خمسة وعشرين عاماً كأطول فترة حكم وطني منذ العام 1885م أي في مائة وثلاثين عاماً منذ حكم المهدية، تمرس في فترة الخمسة وعشرين عاماً على الحكم في ظروف ومطبات عديدة، واستفاد من كل تجارب الأنظمة السابقة في تحريك أو استمالة الجماهير خاصة النقابات التي كانت طوال الفترات الماضية تسيطر عليها قوى اليسار. المؤتمر الوطني بدأ بقوة دفع متماسكة منظمة ومنضبطة حول فكر الحركة الإسلامية وانضمت إليه فيما بعد عضوية كبيرة من خارج الحركة الإسلامية. ثانياً: خلق المؤتمر الوطني جيشاً قوياً عدة وعتاداً يعتبر الآن من أقوى جيوش المنطقة. ثالثاً: أنشأ جهازاً للأمن والاستخبارات على درجة عالية من التأهيل البشري والمعدات والأجهزة والوسائل التقنية الحديثة، يعمل بكفاءة عالية في كل أوجه الأمن الداخلي، الخارجي، الاقتصادي والعقائدي، ثم أضيفت إليه صلاحيات أوسع بعد التعديلات الدستورية الأخيرة ليصبح قوة ضاربة مدافعة ومبادرة وامكاناته المتاحة هائلة تغطي كل بقعة في السودان بكفاءة واحدة. رابعاً: الاهتمام بالشرطة في حفظ أمن المواطن وتوفير الأعداد البشرية الكافية، وتحديث الشرطة بكل الوسائل الحديثة في التحرك والاتصال والرصد والمباحث ذات القدرة العالية، ووسائل كشف الجريمة حتى أضحت الشرطة في مستوى رفيع مكنها من بسط هيبة الدولة، وهي الآن تعد من أفضل أجهزة الشرطة في المنطقة الافريقية والعربية. خامساً: إنشاء قوة دفاع شعبي كثيرة العدد عالية التدريب، كبيرة الخبرة، خاصة تلك التي نالها أفرادها إبان حرب الجنوب في الفترة من 1989 حتى 2005م. سادساً: القضاء على ظاهرة الندرة في السلع الأساسية واختفاء ظاهرة الصفوف وكروت التموين، بالرغم من ارتفاع الأسعار.. ولكن كما هو معلوم فإن الندرة وانخفاض الأسعار أكثر ايلاماً من الوفرة وارتفاع الأسعار وكروت التموين، ومعاناة المواطنين في صفوف الحصول على السلع يقتل الطموح ويقلل سقف التطلع وزيادة الإنتاج على مستوى الفرد وابتداع وسائل غير مألوفة لزيادة دخله-(المرتب) في مقابلة أسعار السلع والخدمات المتوفرة، وتزايدت الهجرة الى دول الخليج مرة أخرى تلك الهجرة التي لها القدح المعلى في تماسك الأسر وعيشها المتواضع الآن. سابعاً: استفادة أعداد كبيرة من مواطنين لا علاقة لهم بالمؤتمر الوطني من سياسات السوق الحر، ونشأت طبقة وسط الشباب الطموح تعمل في مجالات التجارة السريعة مثل الاسبيرات- الملابس- المواد الغذائية- الذهب- وتجارة الحدود حققت دخولاً عالية. ثامناً: التحسن الواضح في وسائل الاتصالات والنقل عبر آلاف الكيلومترات من الطرق السريعة والكباري العديدة والمطارات في كافة أنحاء السودان، إضافة الى التحسن الواضح في امداد الكهرباء الذي ارتفع من 838 ميقاواط عام 2006 الى 4510 ميقاواط عام 2012 -(أي حوالي ستة أضعاف)- وربط الشبكة بمناطق عديدة في السودان ساهم بشكل كبير في تنظيم وخفض معيشة الأسر في العاصمة والأقاليم، وذلك باستعمال وسائل الحفظ المبرد مثل الثلاجات المنزلية والتجارية. تاسعاً: رغبة أمريكا في الحفاظ على السودان ونظامه بتعديل غير جوهري. نقاط الضعف: أولاً: تدهور المشاريع الزراعية والصناعية والحيوانية والنقل مثل مشروع الجزيرة- السكة الحديد- الخطوط الجوية والخطوط البحرية. ثانياً: تواصل الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وإضافة بعد أمني خطير في دارفور يتمثل في الصراعات القبلية المسلحة المتزايدة. ثالثاً: بروز خلافات سياسية عميقة في الحركة الاسلامية المكون الرئيسي للمؤتمر الوطني مثل المؤتمر الشعبي والاصلاح الآن. رابعاً: اندلاع الحروب والمواجهات المسلحة في دولة جنوب السودان، خاصة في حدود السودان الجنوبية إضافة الى أزمة أبيي القنبلة الكامنة. خامساً: التوترات في الحدود الشمالية والشمالية الغربية مع مصر وليبيا، ثم حساسية التعامل في الحدود الشرقية مع دولتي اثيوبيا واريتريا. سادساً: التهديد الأممي المتمثل في قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع ووجود أكثر من 26 ألف جندي أممي في دارفور، ثم قرار محكمة الجنايات الدولية، إضافة الى نشاط منظمات المجتمع المدني في أوربا وأمريكا. سابعاً: كثرة الولايات خاصة في دارفور وأثرها السلبي في الصراع القبلي، والجهد المبذول في الترضيات، وخلق الوظائف للعناصر الموقعة على اتفاقات الدوحة مع صعوبة الايفاء بكل الالتزامات. ثامناً: توجس وتخوف دول الخليج وإحجامها عن تقديم الدعم والمساعدات للسودان خاصة كلما تقارب مع ايران. تاسعاً: تعثر المفاوضات مع قطاع الشمال والجبهة الثورية وفصائل دارفور المسلحة- طرف المعادلة الآخر- وهو المعارضة اليسارية زائداً المعارضة الاسلامية زائداً الحركات المسلحة. نقاط القوة: أولاً: عمليات الجبهة الثورية العسكرية في دارفور- جنوب كردفان والنيل الأزرق ثانياً: الناشطون المعارضون السودانيون في الخارج وأثرهم الواضح في منظمات المجتمع المدني الدولي. ثالثاً: معاناة المواطنين من ارتفاع الأسعار في السلع والخدمات. نقاط الضعف: أولاً: تعدد الأحزاب غير الجماهيرية وعدم توافقها بفكر واحد جامع، إضافة الى تشتت عضوية الاتحادي الديمقراطي المناوئة لزعيم الحزب وخروج الإمام الصادق المهدي عن قوى الاجماع وابرامه لعدة اتفاقات يضيف الى نقاط ضعف هذا الطرف من المعادلة. ثانياً: الأجندة الخاصة بقطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة كلٌ على حده، وهي غير معلنة لباقي عناصر هذا الطرف من المعادلة. ثالثاً: السقف العالي لمطالب هذا الطرف لإسقاط النظام في مواجهة رغبة أمريكا وحلفائها في الابقاء على النظام وتعديله عبر الحوار الوطني. الفرص المتاحة لكل طرف: بالنسبة للمؤتمر الوطني الفرص المتاحة تتمثل في الجدية والمصداقية في إدارة الحوار الوطني والرغبة الصادقة في الوصول الى دستور دائم يحفظ البلاد عبر حكومة قومية برئاسة البشير. الفرصة الثانية المتاحة للمؤتمر الوطني الوصول الى اتفاق مع قطاع الشمال بمرجعية الاتفاقية الاطارية، والوصول مع حركات دارفور غير الموقعة الى اتفاق في منبر جديد وبمرجعية اتفاقات الدوحة، والفرصة الثالثة المتاحة وتساعد في حلحلة كثير من العقبات خاصة في دارفور هي إعادة تقسيم السودان الى اقاليم كبرى. الفرصة الرابعة: إعادة العلاقات الخارجية التاريخية الأخوية مع دول الخليج ومصر ودولة جنوب السودان، وتطبيع العلاقة مع أمريكا وبالتالي دول اوروبا. بالنسبة للمعارضة الفرصة هي توحيد الأهداف في سقف معقول، والانخراط في الحوار الوطني بجدية ورغبة صادقة والخروج الايجابي من مؤتمر برلين المحدد له هذا الأسبوع, والاقتناع بضرورة استمرار الرئيس البشير في رئاسة البلاد للفترة الانتقالية ولمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات، حتى يتحقق الهبوط الناعم كما يسميه الإمام الصادق في وضع دستور دائم للبلاد عبر الحوار الوطني. المهددات: للمؤتمر الوطني عدم الوصول الى اتفاق في اديس مع قطاع الشمال وحركات دارفور، إضافة الى عدم تحريك الحوار الوطني وتزايد معاناة المواطنين المدنيين في مناطق دارفور- جنوب كردفان والنيل الأزرق سيؤدي الى تدخل دولي ضار بالسودان بكل المقاييس. لقوى المعارضة التمترس في سقف إسقاط النظام بأية وسيلة مثل الخروج الى الشارع الذي سيؤدي الى موت ودمار وفوضى غير خلاقة تقضي على المعارضة أولاً وتترك السودان في جراح لن تندمل. عليه يكون تماسك السودان وسلامة مواطنيه تكمن في حل المعادلة بعد إزالة نقاط الضعف في كل طرف من طرفي المعادلة، والتقاط الفرص المتاحة لكل طرف والابتعاد عن المهددات، وهذا لن يتأتى إلا عبر الحوار الوطني الصادق المتجرد وهو الهبوط الناعم من كل السقوفات العالية. والله الموفق.