وأنا اتخطى عتبة الباب في أول يوم لي في كلية الإعلام نظرت الى مقعد وجلست عليه وأطلقت لنفسي العنان... غدا ستتخرجين (يا بنت) من الجامعة، وفي سنوات ستكونين من نجوم المجتمع، سيعرف الجميع اسمك وتتنقلين ما بين الصحف كما تنتقل الفراشات بين الأزهار.. مرت السنوات والحلم بات في الأفق... تخرجت في الجامعة وحملت البكلاريوس بتقدير جيد جداً.. بعد فترة استجمام رتبت أوراقي وبالفعل أُتيحت لي فرصة للتدريب في إحدى الصحف لأواجه الحقيقة المرة.. أنا لا أعرف كيف أكتب خبراً أو أجري تحقيقاً أو حتى أوجه سؤالاً لضيف أو أجمع معلومة... عندما سألت نفسي (كيف ذلك؟).. كانت الإجابة ببساطة كالآتي (قضيت أربع سنوات في الجامعة ولم اتدرب على ذلك)... هذه الإفادات (المؤلمة والصادمة) لإحدى الصحفيات المبتدئات في سلم العمل الصحفي، لكن يمكن أن تنسحب على (جل) خريجي كليات الإعلام إن لم نقل (كل).. هل تراني مجحفة؟ من الأبجديات القول بإن التدريب يعد الأساس لأي عملية تعليمية تستهدف رفد الخريج بسوق العمل، وبغير ذلك تكون العملية التعليمية مبتورة، هذا الأمر ينسحب على مجمل التخصصات.. أما في مجال الإعلام، فالأمر يأخذ شكلاً مختلفاً... من يتخرج من هذه الكليات منوط به تشكيل وقيادة المجتمع، فكيف بقائد لا يعرف كيف يقود. حبر على ورق أين تكمن المشكلة؟ ومن المسؤول؟ هل هي الامكانات أم أن من يقومون على أمر التعليم الإعلامي لا يدركون أهمية أن يرفدوا المجتمع بقادة رأي مدربين على المهمة المنتظرة منهم؟. هل بالفعل إن من يتخرج من كليات الإعلام يواجه مشكلة قبل أن تبدأ المهمة التي أعد لأجلها، تقول تماضر سالم التي تخرجت في جامعة (أم درمان الإسلامية) ل(آخر لحظة) الإعلام الذي درسناه في الكلية وجدناه بعد تخرجنا حبراً على ورق، وتحكي عن تجربتها.. في بداية المشوار تخرجت وأنا أحمل شهادة الدبلوم وعندما اكتشفت بأني لم اتلقى اي نوع من أنواع التدريب.. قررت أن اواصل حتي أحصل على البكلاريوس ربما أجد ما كنت افتقده، وقد تمكنت بالفعل من انجاز ذلك.. لكن النتيجة واجهت نفس المشكلة (لم نكن ندرس غير الشق النظري). الحقيقة المرة.. (نحن نواجه واقعاً مراً تخرجنا في الجامعة وحملنا أوراقاً مكتوب عليها بكلاريوس إعلام لكنا لا نعرف ماذا نفعل( هذا جزء مما قالته تماضر) وتضيف.. ليس أمامنا من طريق غير أن نبدأ رحلة ثانية رحلة البحث عن طريقة للتدريب من جديد، وهذا بحسب رأيها (معاناة جديدة للأسر أفرزتها بيئة تعليمية ناقصة). وفق رؤية تماضر فإن التدريب هو ما ينقص كل خريجي كليات الإعلام حالياً (لا أحد يستطيع أن ينكر أن التدريب جزء لا يتجزأ من التعليم.. لذلك من المهم أن تولي الجامعات التدريب الاولوية ليس فقط في الإعلام بل وفي كل التخصصات، لأنه يولد الخبرة في المجال الإعلامي) من المجحف أن تعتمد الكلية على دراسة مشروع التخرج لتعتبره منحى تدريباً وهو مشروع (لا يبل ريقا). كليات فقيرة.. علاء سلفاب يدرس في كلية الإعلام بجامعة (الزعيم الازهري) يقول إنه يحمل هم العمل حتى قبل تخرجه «نحن ندرس في كليات فقيرة ليس بها استديوهات أو صالات تحرير ومعامل للتدريب».. يضيف.. من المهم جدا الاهتمام بالجانب العملي وبغير ذلك عندما نتخرج لن نكون مواكبين للتطور التكنولوجي، وسنكون كمن يتخرج دون أن يتعلم شيئاً.. لذلك اشعر بأني مهموم من المسقبل الذي ينتظرني . سوق عمل لا يرحم أما نهى العطا وهي خريجة إعلام فتقول إن التدريب أثناء الدراسة لاشك أنه يخرج الطلاب أدرى واعلم بشؤون سوق العمل، والمعيقات التي قد يواجهونها والتي يجب على الطالب أو الخريج وضعها في الاعتبار .. الدراسة النظرية وحدها لاتخرج طالباً مؤهلاً . عملية متكاملة المخاوف التي طرحها الطلاب لا تتطابق مع ما يقوله أساتذتهم في كليات الإعلام، مثلاً الأستاذ يس قرشي أستاذ علم الاتصال بجامعة السودان يقول إن الطالب هو المسؤول الأول عن تدريب نفسه والنهوض بها، حتى ولو لم توفر له الجامعة فرصة للتدريب، ويضيف طالب الإعلام بالضرورة مطالب بأن يكون مثقفاً وملماً بكل ضروب العلم المختلفة وحسب قوله ل«آخر لحظة» لايوجد اختلاف خفي أو ظاهر بين الإطار النظري والإطار العملي، بل هو عملية متكاملة وأهمية التدريب تأتي في المرتبة الأولى. شماعة الامكانات يتفق معه في الرأي الأستاذ أسامة محمد (أستاذ بجامعة السودان) ولكنه يضيف قائلاً: الجامعة تعطي مفاتيح فليس كل خريج يستطيع مواكبة سوق العمل فور تخرجه، فيجب أن يصقل هذه المفاتيح.. نحن لا ننكر أهمية التدريب- القول للاستاذ أسامة- ولكن الامكانات المتاحة لا تساعد على توفر فرص التدريب والطالب المهتم يستطيع أن يطور نفسه ويرتقي بها من خلال اشتراكه في دورات تدريبية خارج إطار التدريب داخل الجامعة، ويرى خالد ابراهيم أستاذ متعاون أن التدريب مكمل قوي جداً للجانب النظري ولا يكتمل إلا به وهو جانب مهاري مهم. لكم الله وحده .. هذا ما يمكن استشفافه من تعليق الزميل الصحفي لؤي عبدالرحمن عندما ذكر بأن الخريجين الذين يلتحقون بالصحف بهدف التدريب أو للعمل كمبتدئين عليهم أن لا ينتظروا فرص التدريب داخل الصحف التي لجأوا اليها.. ويضيف.. المؤسسات الإعلامية الآن هي مؤسسات تجارية غير مهتمة بتدريب وتطوير الاعلاميين، وأن ميزانية التدريب مهملة من قبل الجهات المختصة، فالتدريب داخل الجامعة يؤهل أو يكون صورة إيجابية واضحة عن طبيعة العمل، وعندما يخرج يكتسب خبرات جديدة، فالشخص الكفْء يكون مميزاً سواء تم تدريبه أو لم يتم تدريبه في الجامعة) بمثلما فعل لؤي فإن الزميلة فاطمة أحمدون لم تترك بأباً للأمل لم توصده امام الخريجين الجدد، عندما قالت بوضوح «التدريب مهمل ليس في الجامعات فقط بل حتى في الوسط الإعلامي يفتقد هذا الجانب، وهو مهم جداً على مستوى الجامعات عموماً لتمكين وتنوير الطلاب بالمتطلبات التي تؤهلهم للعمل».