تعقيب على ما ورد في مساحة إضاءات التي كتبها الأستاذ طه النُعمان ونشرها في صحيفة آخر لحظة أيام الاثنين 27/9/2010 والثلاثاء 28/9/2010 والأربعاء 29/9/2010 حول «بُشريات من ذهب.. بين الواقع والشعارات» والتي نشر فيها ما ورد في رسالة الدكتور تاج الدين سيد أحمد طه الذي اتّهم فيه وزارة المعادن بإطلاق شعارات وتصريحات تشجع التعدين العشوائي بدلاً من أن تمنعه كما يرى هو. ونحن إذ نشكر لكم اهتمامكم المتزايد بهذا الموضوع، كان لزاماً علينا أن نوضح بعض الحقائق التي ربما كانت غائبة عن كاتب الرسالة التي تفضّلتم بنشرها وهي كالآتي: لقد أولت الدولة اهتماماً خاصاً بقطاع التعدين والثروات المعدنية الكامنة في باطن الأرض على نطاق القطر والتعويل عليها لدعم الاقتصاد الوطني والمساهمة الفاعلة في التنمية المستدامة وتطوير الريف وذلك بإفراد وزارة خاصة له ألا وهي وزارة المعادن. وبناءً على ذلك، ومن ضمن أولوياتها للنهوض بهذا القطاع، أولت وزارة المعادن، ومنذ الوهلة الأولى، اهتماماً خاصاً بظاهرة التعدين التقليدي غير المُقنن وغير المُرخص الذي انتشر مؤخراً. ونعني هنا بالتعدين التقليدي ذلك النشاط الذي يمارس فيه التعدين دون ترخيص وبطريقة غير قانونية. وهو ذات النوع من التعدين الذي انتشر في أنحاء متفرقة من العالم حيث تفيد إحصاءات منظمة العمل الدولية (ILO) بأن حوالي 150 مليون نسمة يمارسون هذا النشاط في أفريقيا وحدها 20% منهم نساء وأطفال ناهيك عن انتشاره في أمريكا اللاتينية وقبلها في أمريكا الشمالية. أي أن السودان ليس استثناءً، إذ يقدر عدد العاملين في هذا المجال بحوالي 200 ألف عامل ينتشرون في كل أنحاء السودان علماً بأن هذا الرقم قابل لأن يتخطى الربع مليون بحلول عام 2011م، وبناءً على ذلك انصب جل اهتمام الوزارة على وجه الخصوص في تنظيم هذا النشاط من الناحية القانونية والأمنية والبيئية والصحية وكذلك الاقتصادية هدفها من ذلك حماية هذه الثروة القومية وترشيد استغلالها بما يفيد الدولة والمواطن على حد سواء ويدرأ عنه المخاطر الصحية والاجتماعية والبيئية، وكل ذلك في إطار القوانين واللوائح المُنظمة للنشاط التعديني بالدولة. ونريد هنا أن نستعرض أولاً بعض المخاطر والسلبيات المترتبة على هذا النشاط غير المرشد والتي يتعرّض لها المواطن الذي يمارسه وانعكاسات تلك المخاطر والسلبيات عليه ويمكن تلخيصها في الآتي: جهل المعدنين بخطورة استخلاص الخام وانهيار الحفر والمغارات وتعرض العاملين للسعات الحشرات والثعابين السامة وتعريض العاملين في بعثات الاستكشاف والتعدين والرعاة في المناطق إلى أخطار الوقوع في هذه الحفر. يستعمل المواطنون مادة الزئبق الخطرة في استخلاص الذهب. هذا النشاط بهذه الطريقة أدى الى إهدار ثروة البلاد الاقتصادية وأدى الى تشويه هذه المواقع وطمس معالم التعدين، وبالتالي تشويه التصريف الطبيعي مما يؤثر بدوره على تغذية الخزانات الجوفية على قلتها وندرتها في تلك البقاع، هذا بالإضافة إلى التعدي على مواقع امتياز الشركات الموقعة على الاتّفاقيات الكبرى. من جهة أخرى يتم تكسير وطحن الأحجار بطواحين صغيرة وسط غبار كثيف دون اتّخاذ أي إجراءات سلامة تحمي العاملين من الغبار وقيام تجمعات عشوائية حول أماكن التعدين تفتقد إلى أبسط الخدمات مثل المياه الصالحة للشرب والسكن الصحي حيث تنتشر الأوساخ ومُخلفات الحيوانات والإنسان في كل مكان بالإضافة إلى أن هذه التجمعات تعمل على تهديد ما حولها، أضف إلى ذلك الممارسة الاقتصادية الضارة. والتعدين بهذه الكيفية فتح الباب لتهريب المعادن والآثار ومكّن من دخول الأجانب في ممارسة هذا النوع من التعدين بطرق غير شرعية. على الرغم من أن هذا النشاط يتمخض عن إنتاج إلا أنّ هذا الإنتاج مهما كان حجمه لا يدخل كله إلى خزينة الدولة. ويتمركز التعدين التقليدي في استخراج الذهب فقط «وإهدار المعادن المصاحبة له» مما يؤدي إلى تخريب مواقعه ونهب الخام وفتح ذلك الباب لبيعه لغير الجهات الرسمية وتهريبه خارج حدود الدولة. نضيف هنا تلوث مجاري المياه بنفايات التعدين مما يؤدي إلى تلوث الخزانات الجوفية. وحفاظاً على ثروات البلاد القومية وعدم إهدارها وتهريبها، أتى اهتمام وزارة المعادن بهذه الظاهرة وأفردت لها المساحات الواسعة في الدراسة والتقييم وبالتالي وضع الحلول العلمية المناسبة التي تقود إلى تنظيم هذا النشاط في إطار قانوني وبيئي وصحي ليستفيد المواطن دون تشويه أو تدمير للثروة التي هي ملك للجميع. لذلك أقامت وزارة المعادن ورشة لتنظيم هذا النشاط تحت عنوان «النشاط التقليدي-المشاكل والحلول» شاركت فيها كل الجهات ذات الصلة في مرافق الدولة المختلفة وخرجت الورشة بتوصيات غاية في الأهمية وضعت اللبنات الأساسية لتنظيم هذا النشاط. وجاء هذا الحل بناءً على شواهد ومعطيات مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر صعوبة مراقبة هذا النشاط لتحصيل الرسوم لصالح الدولة وذلك لطبيعة التنقل الدائم للمعدنين من موقع لاخر من جهة، وعدم حرمان المواطن من ثروات وهبها الله له في أرضه وتوظيف هذه الثروة لمصلحة الجميع بطريقة علمية وعادلة من الجهة الأخرى حيث تقدر كميات الذهب المهربة إلى خارج الدولة بعدة أطنان منه، ومعلومات الهيئة السودانية للمقاييس والموازين تُفيد بأن صادرات الذهب لهذا العام وحتى نهاية سبتمبر 2010م تجاوزت العشرين طناً. لذلك تأتي ترتيبات الحل التي وضعتها الوزارة وفي إطار التعاون والتنسيق مع الولايات في أن يتم تنظيم هؤلاء المعدنين في هيئة جمعيات أو مجموعات وتقوم الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية بتخصيص مواقع استثمارية لهم في كل ولاية بحيث يتم منحهم تراخيص تعدين ليقوموا بممارسة هذا النشاط تحت الإشراف العلمي والصحي والبيئي وفي إطار القانون، كما تقوم الوزارة وبالتنسيق والتعاون مع الولايات والمحليات بإنشاء مراكز استخلاص ومعالجة للخامات المعدنية بالطرق العلمية السليمة وبتكنولوجيا وسيطة ونظيفة وهكذا تتمكن الدولة من التواجد والمراقبة والتنظيم ويفاد الجميع. وتأتي زيارات السيد وزير المعادن الدكتور عبد الباقي جيلاني، والوفود المرافقة له، الى ولايات النيل الأزرق والبحر الأحمر وكسلا والقضارف وشمال كردفان وذلك أولاً للوقوف على حجم هذه الظاهرة وثانياً لشرح أبعاد هذه الرؤى وفي إطار التشاور والتفاكر والتنسيق والتعاون بين الوزارة والولايات في أمر تنظيم هذا النشاط. ومن خلال هذه الزيارات اتّضح أن هذه الظاهرة قد آوت ما لا يقل عن المئتي ألف مواطن، وربما أكثر من ذلك، وكل بوظيفته وصاحبها ما لا يقل عن العشرين صنعة ساهمت بطريقة مباشرة في إيجاد الدخل المباشر لهذه الفئات وساعدت المحليات في إطعام الكثيرين الذين كانوا يعانون الفقر المريع، وخلق مجمعات متكاملة تحتاج فقط للتنظيم والترشيد. المدير العام لهيئة الابحاث الجيلوجية بوزارة المعادن