ثلاثون عاماً بالتمام والكمال منذ أن غربت شمس ثورة مايو التي حكم من خلالها الرئيس الراحل المشير جعفر نميري البلاد لمدة ستة عشر عاماً، والذي سقط سقوطاً مدوياً، ولم يكن أحد يتوقع أن يولد الشعب تلك الثورة العصية القيام في ذلك الوقت. الكاتب صلاح عبداللطيف في كتابه الشهير «عشرة أيام هزت السودان» أورد:«لم يكن الخطاب الذي ألقاه الرئيس جعفر نميري مساء يوم الثلاثاء السادس والعشرين من مارس «1985م» هو السبب المباشر لإنهاء حكم استمر خمسة آلاف وسبعمائة وواحد وتسعين يوماً، وكذلك لم تكن زيادة الأسعار ورفع الدعم عن السلع هي السبب الرئيس لتطورات الأحداث، حيث لم يهدأ الشعب بعد أن أعلنت الحكومة عن تخفيض بعض الأسعار، ذلك أن هناك تراكمات ظلت حبيسة لدى غالبية الشعب السوداني تكونت عاماً بعد عام حتى لم يعد هناك مجال لتراكمات جديدة، وأن نميري عندما قام بالانقلاب العسكري في «25» مايو «1969م» كشفت الأحداث بعد ذلك أنه جاء كما لو كان مرتدياًَ ملابسه ثم راح عاماً بعد آخر يخلع أرديته قطعة قطعة، ولما جاء مارس «1985م» بدأ نظامه عارياً تماماً ولم تعد لديه حتى ورقة تستره لذلك كان السقوط مدوياً». وبالفعل سقطت مايو سقوطاً غير متوقع في السادس من أبريل من العام 1985 أي قبل نحو ثلاثة عقود من الآن مايعني أن جيلاً بأكمله وتحديداً شباب ثورة الإنقاذ لم يشهدوا تلك الحقبة العسكرية التي وضعت الأحزاب والقوي المهنية والنقابية حداً لنهايتها بطريقة دراماتيكية. ويبدو أن سر الثورة «الإبريلية» التي توجت بالنصر في السادس من أبريل 1985 يكمن في العشرة أيام التي سبقتها والتي لخصتها عدة مصادر، واتفق شهود عيان وفاعلون فيها منهم الوزير الأسبق والنقابي د.حسين سليمان أبو صالح في أن إعلان نقابة السكة حديد بعطبرة الإضراب المفتوح عن العمل منذ 7 مارس 1985، وخروج مواكب وقيام مظاهرات متفرقة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الضاغطة كان أحد أعواد الثقاب التي اقتربت من بارود الثورة، ثم جاء التحرك الثاني من أهم القطاعات الحيّة والفاعلة ممثلاً في قطاع الطلاب وتحديداً مظاهرة طلاب جامعة أمدرمان الإسلامية في يوم الثلاثاء 26 مارس 1985، انتهت هذه المظاهرة بحرق مكاتب جمعية ود النميري التعاونية بأمدرمان. ثم مظاهرات شعبية عفوية وسط العاصمة بدأت يوم الأربعاء 27 مارس 1985 بمشاركة طلاب وشماسة ومشردين وعمال بالمنطقة الصناعية. لكن بوادر نجاح الثورة برزت وبشكل جلي عقب سقوط عدد خمسة شهداء بنهاية اليوم الثاني للانتفاضة «يوم الأربعاء 27 مارس»، وبلغ عدد المعتقلين الذين قدموا لمحاكمات إيجازية فورية حوالي 500 مواطن. وقد أكبر الشعب السوداني موقف الشرطة من الأحداث، حيث رفضت النيل من المتظاهرين، وتواصل الضغط على نظام مايو بظهور قطاع جديد معارض للسياسة المايوية هم الأطباء، حيث أعلنت الهيئة النقابية لأطباء مستشفيات الخرطوم الإضراب عن العمل ابتداءً من يوم الخميس 28 مارس «اليوم الثالث للانتفاضة» وحتى 30 مارس ونشر بيان لها يحوي أسماء شهداء وعدد جرحى اليوم الثاني للانتفاضة. وفي يوم الجمعة 29 مارس ردت الحكومة على ما يجري ووصفت فيها المظاهرات بالشغب والتخريب للمنشآت العامة والممتلكات الخاصة الذي يحرض له الإخوان المسلمون والشيوعيون ويقوم به «المشردون والمتبطلون». كانت تلك أهم ملامح الثورة التي استبق السودانيون شعوب المنطقة التي تباهي بصناعتها لثورات في السنوات المنصرمة، فكانت ثورة اكتوبر في العام 1964م، لكن أبريل ستظل خالدة في نفوس السودانيين بعد أن ضاق بهم الحال وحاصرتهم المشاكل والأوجاع، وهبوا ليقولوا لا في وجة نظام الرئيس الراحل جعفر نميري. وما يميز ثورة أبريل التي انطلقت شرارتها في السادس والعشرين من مارس إلى أن أصبحت الشرارة ناراً في السادس من أبريل وكان لافتاً في الثورة هو تلاحم الجيش مع الشعب وقلما يحدث ذلك في أي دولة خاصة في القارة السمراء التي ينفرد فيها العسكريون بالسلطة ويجعلون انقلابهم فرض عين، بمعزل عن كسب التأييد، ولذلك كانت أبريل ثورة مختلفة التفاصيل. وقد تعدَّدت الأسباب التي جاءت بثورة أبريل، لكن هناك أسباباً سياسية رأى كثيرون أنها أبرز عوامل انهيار مايو، مثل التعامل الخطأ من جانب نظام نميري في إنزال الشريعة الإسلامية لأرض الواقع، بجانب تسبب حكمه في أزمة الجنوب بإعادته تقسيم الإقليم الجنوبي لثلاثة أقاليم «الإستوائية، أعالي النيل وبحر الغزال». ومهما يكن من أمر فإن ثورة أبريل كانت أكبر من نظام مايو، ثورة انتصرت فيها الإرادة الشعبية في ذلك اليوم بالتحام الجيش مع الشعب. { الخرطوم: القسم السياسي ثلاثون عاماً بالتمام والكمال منذ أن غربت شمس ثورة مايو التي حكم من خلالها الرئيس الراحل المشير جعفر نميري البلاد لمدة ستة عشر عاماً، والذي سقط سقوطاً مدوياً، ولم يكن أحد يتوقع أن يولد الشعب تلك الثورة العصية القيام في ذلك الوقت. الكاتب صلاح عبداللطيف في كتابه الشهير «عشرة أيام هزت السودان» أورد:«لم يكن الخطاب الذي ألقاه الرئيس جعفر نميري مساء يوم الثلاثاء السادس والعشرين من مارس «1985م» هو السبب المباشر لإنهاء حكم استمر خمسة آلاف وسبعمائة وواحد وتسعين يوماً، وكذلك لم تكن زيادة الأسعار ورفع الدعم عن السلع هي السبب الرئيس لتطورات الأحداث، حيث لم يهدأ الشعب بعد أن أعلنت الحكومة عن تخفيض بعض الأسعار، ذلك أن هناك تراكمات ظلت حبيسة لدى غالبية الشعب السوداني تكونت عاماً بعد عام حتى لم يعد هناك مجال لتراكمات جديدة، وأن نميري عندما قام بالانقلاب العسكري في «25» مايو «1969م» كشفت الأحداث بعد ذلك أنه جاء كما لو كان مرتدياًَ ملابسه ثم راح عاماً بعد آخر يخلع أرديته قطعة قطعة، ولما جاء مارس «1985م» بدأ نظامه عارياً تماماً ولم تعد لديه حتى ورقة تستره لذلك كان السقوط مدوياً». وبالفعل سقطت مايو سقوطاً غير متوقع في السادس من أبريل من العام 1985 أي قبل نحو ثلاثة عقود من الآن مايعني أن جيلاً بأكمله وتحديداً شباب ثورة الإنقاذ لم يشهدوا تلك الحقبة العسكرية التي وضعت الأحزاب والقوي المهنية والنقابية حداً لنهايتها بطريقة دراماتيكية. ويبدو أن سر الثورة «الإبريلية» التي توجت بالنصر في السادس من أبريل 1985 يكمن في العشرة أيام التي سبقتها والتي لخصتها عدة مصادر، واتفق شهود عيان وفاعلون فيها منهم الوزير الأسبق والنقابي د.حسين سليمان أبو صالح في أن إعلان نقابة السكة حديد بعطبرة الإضراب المفتوح عن العمل منذ 7 مارس 1985، وخروج مواكب وقيام مظاهرات متفرقة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الضاغطة كان أحد أعواد الثقاب التي اقتربت من بارود الثورة، ثم جاء التحرك الثاني من أهم القطاعات الحيّة والفاعلة ممثلاً في قطاع الطلاب وتحديداً مظاهرة طلاب جامعة أمدرمان الإسلامية في يوم الثلاثاء 26 مارس 1985، انتهت هذه المظاهرة بحرق مكاتب جمعية ود النميري التعاونية بأمدرمان. ثم مظاهرات شعبية عفوية وسط العاصمة بدأت يوم الأربعاء 27 مارس 1985 بمشاركة طلاب وشماسة ومشردين وعمال بالمنطقة الصناعية. لكن بوادر نجاح الثورة برزت وبشكل جلي عقب سقوط عدد خمسة شهداء بنهاية اليوم الثاني للانتفاضة «يوم الأربعاء 27 مارس»، وبلغ عدد المعتقلين الذين قدموا لمحاكمات إيجازية فورية حوالي 500 مواطن. وقد أكبر الشعب السوداني موقف الشرطة من الأحداث، حيث رفضت النيل من المتظاهرين، وتواصل الضغط على نظام مايو بظهور قطاع جديد معارض للسياسة المايوية هم الأطباء، حيث أعلنت الهيئة النقابية لأطباء مستشفيات الخرطوم الإضراب عن العمل ابتداءً من يوم الخميس 28 مارس «اليوم الثالث للانتفاضة» وحتى 30 مارس ونشر بيان لها يحوي أسماء شهداء وعدد جرحى اليوم الثاني للانتفاضة. وفي يوم الجمعة 29 مارس ردت الحكومة على ما يجري ووصفت فيها المظاهرات بالشغب والتخريب للمنشآت العامة والممتلكات الخاصة الذي يحرض له الإخوان المسلمون والشيوعيون ويقوم به «المشردون والمتبطلون». كانت تلك أهم ملامح الثورة التي استبق السودانيون شعوب المنطقة التي تباهي بصناعتها لثورات في السنوات المنصرمة، فكانت ثورة اكتوبر في العام 1964م، لكن أبريل ستظل خالدة في نفوس السودانيين بعد أن ضاق بهم الحال وحاصرتهم المشاكل والأوجاع، وهبوا ليقولوا لا في وجة نظام الرئيس الراحل جعفر نميري. وما يميز ثورة أبريل التي انطلقت شرارتها في السادس والعشرين من مارس إلى أن أصبحت الشرارة ناراً في السادس من أبريل وكان لافتاً في الثورة هو تلاحم الجيش مع الشعب وقلما يحدث ذلك في أي دولة خاصة في القارة السمراء التي ينفرد فيها العسكريون بالسلطة ويجعلون انقلابهم فرض عين، بمعزل عن كسب التأييد، ولذلك كانت أبريل ثورة مختلفة التفاصيل. وقد تعدَّدت الأسباب التي جاءت بثورة أبريل، لكن هناك أسباباً سياسية رأى كثيرون أنها أبرز عوامل انهيار مايو، مثل التعامل الخطأ من جانب نظام نميري في إنزال الشريعة الإسلامية لأرض الواقع، بجانب تسبب حكمه في أزمة الجنوب بإعادته تقسيم الإقليم الجنوبي لثلاثة أقاليم «الإستوائية، أعالي النيل وبحر الغزال». ومهما يكن من أمر فإن ثورة أبريل كانت أكبر من نظام مايو، ثورة انتصرت فيها الإرادة الشعبية في ذلك اليوم بالتحام الجيش مع الشعب.