أزمة المياه تتكرر كل عام، مما جعل بيعها مصدر رزق الكثيرين وبحلول فصل الصيف تشاهد ارتالاً من عربات الكاروبأحياء جنوبالخرطوم الراقية لبيع المياه، فصدقت المقولة الشهيرة «مصائب قوم عند قوم فوائد».. (آخرلحظة) وقفت عند الأزمة واستنطقت بائع مياه فكانت معه هذه الدردشة الخفيفة. قصة كفاح: نصر الدين محمد زين من أبناء كردفان، أجبرته الظروف الاقتصادية القاسية لترك مقاعد الدراسة من الصف السادس متوجهاً إلى العاصمة الخرطوم، للبحث عن لقمة العيش عله يجد فيها ما يسد رقمه وأسرته البسيطة.. وجدناه متجولاً داخل سوق الكلاكلة اللفة وهو يردد عبارة (أروى يا عطشان برد يا حران).. حاملاً جركناً من الماء لا يرهقه نقلها، ولكن ثقل الأيام كان أشد وابتسامته التي لا تفارق وجهه تبعده عن صعوبات الحياة وتخفف عنه معاناتها.. التقته (آخرلحظة) فتحدث لها بشفافية سارداً قصة كفاحه. الحاجة: يقول نصر الدين: من الأسباب التي دفعتني إلى ترك أسرتي من أجل البحث عن عمل في الخرطوم، لدي أخي الأكبر كان قد سافر إلى مناطق الذهب، ورجع حاملاً معه مبلغاً من المال، ثم عاود الكرة مرة أخرى ولكن لم يحالفه الحظ ثانياً.. بل تعرض لحادث داخل بئر أدى إلى كسر في الحوض والسلسلة الفقرية، وأجريت له عملية صرف فيها كل ما أتى به من مال، بالإضافة للمساعدات من بعض الإخوة وتماثل للشفاء لكنه أصبح يواجه صعوبة في المشي. تنظيم السوق: وقال نصر الدين منذ أن وطئت قدماي العاصمة اتجهت إلى سوق الكلاكلة وعملت بائعاً متجولاً في البلح والفواكه عبر الدرداقة.. حيث أقوم بتوزيع بضاعتي على الزبائن في شتى أنحاء السوق وقرب أماكن المواصلات، وكنت أجمع من المال ما يكفي حاجتي، ولكن نسبة للمطاردات التي يتعرض لها الباعة من قبل المحلية عبر كشات التنظيم بالسوق لم استطع الصمود في هذه المهنة، وحولت نشاطي مباشرة إلى بيع الماء (بالكارو). الدوام: وعن بدء دوامه اليومي قال نصر الدين: أبدأ عملي في السادسة صباحاً بعد جلب الماء من بيارة (مترة) داخل سوق اللفة، وذلك بتعبئة البرميل بمبلغ 3 جنيهات، وأتوجه صوب زبائني حاملاً البرميل على الكارو.. حيث أبدأ التجوال تارة داخل سوق الخضار، وأخرى وسط تجار الملابس، وكذلك ستات الشاي.. وأيضاً لدي مطعم معين اتعامل معه، وقد خصص لي صاحبه وجبهة إفطار يومية مجاناً، وأقوم بتوزيع ما يقارب سبعة براميل ماء يومياً الدخل اليومي: أبدى نصر الدين سعادته الفائقة عندما يكون هناك شح في المياه.. قائلاً عندما تكون الماسورة قاطعة (أمورك بتكون باسطة)، حيث يتضاعف الشغل، وأقوم بتوزيع كمية كبيرة من الماء على الزبائن وجمع مبلغ كبير من الماء، وبعد خصم مصروفي اليومي وشراء ما يكفي لأكل (الحمار) من العلف يصل دخلي اليومي حوالي (140) جنيهاً. رخصة قيادة: وشرح نصر الدين كيفية الطريقة المثلى لاستخدام الكارو وقال: لابد من استخراج رخصة قيادة قبل مزاولة المهنة.. حيث يتم تجديدها كل ثمانية أشهر.. أما بالنسبة للغرامة التي تضعها الجهات المختصة على حسب نوع المخالفة، مثلاً نحن محصورون داخل السوق في أماكن معينة إذا تركت مكانك أو عملت حادث تدفع غرامة على حسب وضعية المخالفة. أما عن الغرامات التي تعرض لها يقول عملت مخالفات كثيرة من خلال تجوالي في السوق، وأكبر غرامة دفعتها حوالي 70 جنيهاً. موقف صعب: وكشف نصر الدين عن مكان تجمعهم هو وزملاؤه في المهنة.. حيث قال لدينا حوش بالقرب من السوق نستخدمه كموقف لعربات الكارو بعد نهاية الدوام يصل إيجاره إلى 500 جنيه، حيث يدفع كل فرد منا 30 جنيهاً بالإضافة إلى رسوم النفايات 16 جنيهاً. ومن المواقف الصعبة التي تعرضت لها.. ذات يوم ربطت الحمار في المساء داخل الحوش وصحيت من النوم لم أجده، خاصة وأنني أعمل أجيراً في هذا الكارو، ووجدت صعوبة في مواجهة الموقف، فاتجهت إلى مالك الكارو الذي أبدى تعاطفه معي دون تغريمي وقام بشراء حمار آخر وطالبني بالعمل فيه. ست الدار: وعن اللقب السائد بين زملائه وزبائنه داخل السوق قال نصر الدين أطلق عليّ لقب (ود النصري)، نسبة لعشقي الشديد لفنان الطمبور صاحب الصوت الشعبي والكلمات المعبرة جداً الفنان القامة محمد النصري، ودائماً تجدني استمع له ومن أغنياته المحببة لي (ست الدار). ركود العمل: وفي فترة الشتاء يقول نصر الدين يقل استخدام الزبائن للماء عكس فصل الصيف الذي يكثر فيه الاستهلاك نسبة للاستحمام، ورش الأماكن لترطيبها، لذلك تجدني في الشتاء أترك هذه المهنة واتجه إلى تجارة وبيع القصب.