٭ إلى أي حد قد يشبه النص كاتبه؟.. هذا السؤال قفز إلى ذهني بعد انتهاء الحوار مع عفراء فتح الرحمن، والتي قرأت قصائدها بعد الحوار وفي ذلك تقصير مني، لأن أسئلة الشعر لا بد أن ترافق النص وكاتبه، فبعد القراءة وجدت أن هندسة الكتابة الشعرية وبناءها وإيقاعها عندها غنية بنفس قدر الإجابات التي في هذا الحوار، ولا أعرف إن كان كلامي هذا دقيقاً أم لا، لكن ما لمسته هو حالة الدقة في التعبير في الاثنين معاً البلاغي منها والفلسفي، فالإنسان الذي يقول إنه يعيش في المستقبل، هذا يعني لنا نفاذ البصيرة، وهذا ما يحيلنا إلى الصوفية اجترارها وتناصها وامتصاصها لحالات الحزن والقسوة محركة الكتابة الأول عندها، الكتابة التي نطمح أن تغير وتبدل.. ما دفعنا للحديث عن الشعر وأسئلته القلقة والمُطمئنة في نفس الوقت. أُراقب نفسي أصادقها وأصعد منها .. ٭ ما الذي توفر لك لتصبحي شاعرة؟ - الاستعداد الفطري هو أساس الشعر، أنا عني نشأت في بيت توفر فيه الكتاب، ومنذ وقت مبكر تعرفت عليه، لأن والدي الضابط الإدراي كان مهتماً ومشغولاً بالأدب والقراءة، وعمله كضابط إداري جعلنا نتنقل من مكان إلى آخر، نرى ونسمع الحكايات التي ساهمت في تعريفنا بما يجري من أحداث، فقد انفتحت بصيرتنا للحركة الواسعة، والتنقل حرمنا من العلاقات المستقرة، لكن وجدت نفسي أمام عالم آخر فيه ثراء وغنى، أي عالم الكتاب. في سنين عمري الأولى - السابعة - قرأت البؤساء، والغربال لم أفهم منهما شيئاً ولم يخلقا المتعة المرجوة، فقد كانت قراءات إجبارية. ٭ إذن لم تعيشي طفولتك؟ - وحتى الآن لم أعش مراحلي، أنا كائن يعيش في المستقبل أكثر من الواقع، وإذا ما أنجزت شيئاً لا أستمتع في لحظتها به. ٭ هذا ما يقود إلى الحديث عن تأثير الفصول على النفس البشرية؟ - ابن خلدون كتب عن تأثير الهواء والطقس على أمزجة البشر، وفي علم الاجتماع والنفس قيل الكثير عن تأثير الفصول على النفوس البشرية، لست مؤمنة بحظك اليوم في الأبراج لكنني مؤمنة بالسمات النفسية للأبراج، وبرج الدلو الذي أنا منه هو أكثر الأبراج اتزاناً ويعيش صاحبه في المستقبل. ٭ هل أنت شاعرة محظوظة؟ - للدكتور عبد الله علي إبراهيم قول حول تجربتي، فقد أشار أثناء تدشين كتابي الأول في العام 2012 إلى ديمقراطية العائلة، لقد وجدت هامشاً من حرية الحوار والكتابة والتجريب، وهذا ما يتيح لك فرص الإبداع، وهذه الهوامش تخلق منك إنساناً مسؤولاً، والحرية رديف المسؤولية والجدية في الاختيار والنتائج، ولقد تعلمت كيف أخطط لمشروعاتي وقد لا يعرف كثيرون أن أسرتي لا تحرص على متابعة ما أقدم من برامج. ٭ إذن من هو ناقدك الأول؟ - أنا ناقدي الأول، وكثيراً ما أقسو على نفسي. ٭ القسوة على النفس تدخل في باب الجلد المجاني المُحذَّر منه؟ - عروة بن الورد قال: «أقسّمُ جسمي في جسوم كثيرة ** وأحسو قراح الماء والماء بارد».. وليس هناك أصدق من نفسك، قد يكون تعاملي المبكر مع الكتاب جعل مني ناقداً بامتياز، لكن في بعض الأحيان أحنو عليها وفي ديواني الأول كتبت إهداءً إليّ رغم غرابة الإهداء. ٭ وهل تراقبين نفسك؟ - أراقبها وأصادقها وأصعد منها، أنا مجموعة حيوات وكان من الممكن أن أكتفي بواحدة منها، هي المعافرة وهناك من يراني قلقة. ٭ وهناك من يحاول اختصار الطريق؟ - اختصار الطريق هنا غير ممكن وليس متاحاً، لأن الخيارات غير كافية وليست متعددة، وكما قلت لك أنا لست محظوظة تدرجت وصعدت السلالم درجة درجة، أذكر بالخير كله الأستاذ سعد الدين إبراهيم الذي قال: عفراء بدأت في الهامش ووسعته. ٭ وهذا ما يندرج في باب الطموح؟ - عادة أطمح أن أكون مغايرة، لا أن أكون مميزة. ٭ في أي حقل؟ - الشعر لم يكن خياراً، هو فعل قسري ولم أكن أتمنى أن أكتب، ولم أكتب لأنني سعيدة. ٭ ويقال إن الشعراء ينطلقون من منطقة الألم؟ - الناس ليسوا نسخة من بعضهم، فليس هناك من ثابت. ٭ والشعر هل يغير النفوس أم يغير الواقع؟ - الواقع يتغير بتغيير النفوس، وقديماً كان يغير تغييراً مباشراً أيام أبوتمام والمتنبيء، الآن هو مثل معراج المتصوفة يغير النفوس والنفوس تغير الواقع. ٭ وما هو محركك للكتابة؟ - القسوة التي من حولنا تصبح محركة الكتابة. ٭ والفرح؟ - لم يحدث لي هذا الشرف من قبل. ٭ وإذا أتيحت لك فرصة المراجعة لكتابتك، هل ستعدمين جزءاً من أشعارك، محمود درويش تمنى أن يشطب من ذاكرة الناس بعضاً من أشعاره؟ - كما قلت لك نحن لسنا نسخاً من بعضنا، قد أكون في طفولتي الشعرية الآن، ولاحقاً قد أغير وأشطب وأبدل، والشعر عندي عمل إنساني في المقام الأول. ٭ هناك شعراء يولدون على مهل وشعراء يولدون دفعة واحدة؟ - أنا ولدت على مهل بتراكم التجارب وبالتصاعد. ٭ الإطراء المجاني هو أحد المظالم التي عانت منها الكاتبات بقياس النوع؟ - منذ أن بدأت تجربتي لم أشعر بأنني وضعتُ في خانة البنت الكاتبة، ولم ابدأ بالثوب اللامع. ٭ لكن هناك زوايا وأحلام لا نستطيع الخروج منها؟ - لا، مثل هذه التصنيفات تصلح في المؤسسات الزوجية فقط، العمل الإبداعي لا يمكن وضعه في مثل هذه الخانات الضيقة، بثينة خضر مكي قالت: «قلمي لم يكن قلماً محنناً»، وأنا بالضد من هذه التصنيفات. ٭ بصفة الشاعر كيف تنظرين إلى الحنان؟ - أكثر من زرع فيّ الحنان هو جدي الذي أهديته كتابي الأول. ٭ في شعرك هل نلمس لفظة الحنان أكثر؟ - في شعري تلمس الجانب الفلسفي أكثر. ٭ والقلق؟ - كلنا نتمنى أن نكون أحراراً، خاصة أن ما حولنا مقلق. ٭ والتأمل؟ - أحيانا التأمل قد يتحول إلى أمر سلبي ويصرفك عن الأشياء التي تتأملها، بمعنى أنك قد تذهب إلى الجزئيات وتترك الكليات. ٭ الإضاءة؟ - الإضاءة ليست أمراً سهلاً، فقد تسحب منك أشياء إنسانية لذلك اتجهتُ إلى الصوفية. ٭ والحب؟ - الحب شاغل الإنسانية كلها.