٭ جاء في الأخبار أن السلطات الألمانية قد أوقفت إعلامي قناة «الجزيرة» المشهور أحمد منصور .. الفلسطيني «الغزاوي» الحامل للجنسية المصرية.. بناء على مذكرة توقيف مصرية على خلفية تهم «ذات طبيعة جنائية». ٭ إتفق الناس أم اختلفوا مع أحمد منصور وتوجهاته، وربما انتمائه الإخواني المكشوف، فلا بد من الاعتراف له بكسب مهني ممتاز، حيث أبرز الرجل قدراته الصحفية، وحدبه على التحضير الجيد لموضوعاته وحواراته من خلال برنامجه عالي المشاهدة « بلا حدود» .. إعتراف يمثل حقاً له، بغض النظر عن تلك التوجهات التي خصمت منه الكثير وحجبت عنه تقديراً مستحقاً لو أنه توخى أصول الحياد والموضوعية التي هي حلة وحلية الصحافة المهنية .. لو أنه لم يجعل «الإنتماء السياسي» وإعلانه، بل والمباهاة به في كثير من الأحيان يغطي على تلك الجهود والكسوب العظيمة ويخدش في «دوافعه ومصداقيته» التي ترد في مقدمة اهتمام المشاهدين والقراء والمتلقين على وجه العموم.. ٭ بكلمات أخرى كان على منصور أن يخلع قبعته الحزبية ونعليه المؤدلجين عندما يلج إلى بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة» حيث لا ينفع ولاء ولا إنتماء إلا من أتاها بعقل منطلقه الحقيقة والشفافية والموضوعية. ٭ ومع ذلك .. فإن الأجدر بأي سلطات متضررة من أحمد منصور أن تلجأ أولاً إلى كشف ما تراه منقصة في حق الرجل من شاكلة أدواته.. التي تتراوح بين القلم والصورة والمايكرفون.. بحيث يصبح «الجزاء من جنس العمل» .. إذا كان حقاً ما أعلنه أحمد منصور من مطار برلين عن تلك التهم الموجهة له من قبل السلطات المصرية.. والتي تشمل «الاغتصاب والاختطاف والسرقة».. والتي على غرابتها بحق أي إعلامي أو صحافي.. فإن مجرد الكشف عنها في وسائل الإعلام المقروءة والمشاهدة بأدلتها الموثقة وقرائنها الثبوتية كافية لتدمير صورة الرجل أو أي ممتهن للإعلام والصحافة غيره، تتأكد بحقه مثل تلك الجرائر.. وتلك هي العقوبة الأشد وقعاً وردعاً له أو لغيره من أهل المهنة. ٭ بما أن الشيء بالشيء يذكر فقد طالعت في نفس اليوم خبراً آخر حول (BBC) البريطانية أعرق وأشهر مؤسسة إعلامية في العالم يقول بإنه من المنتظر أن يتم تجريد مجلس إدراتها من صلاحية النظر في شكاوى «التحيز» التي راجت حولها لصالح حزب العمال إبان الانتخابات الأخيرة، وإسناد تلك المهمة «لمراقب خارجي» نشداناً لصحافة أكثر موضوعية وانصافاً. ٭ لكن استغراب أحمد منصور الذي أبداه من خلال تصريحاته ل «الجزيرة» كون السلطات الألمانية أوقفته بناء على مذكرة صادرة عن الانتربول بتاريخ 2 أكتوبر 2014 في حين أنه حصل على وثيقة بتاريخ 21 أكتوبر 2014 - أي قبل (19) يوماً من حصوله على وثيقة «البراءة» التي تقول إنه «غير مطلوب».. يثير بدوره «استغراباً آخر» لدى القراء والمشاهدين مصحوباً بسؤال يستند إلى «شك معقول» هو: ما الذي دفع أحمد منصور لاستخراج الشهادة أو الوثيقة من الأنتربول للتأكد بأنه ليس ملاحقاً أو مطلوباً لديها؟!.. قطعاً لا يملك الإجابة اليقينية على ذلك إلا الزميل أحمد منصور نفسه. ٭ لكن وبذات نهجه الذي يؤخذ عليه.. أي «التسييس» الفج - كما سبقت الإشارة- فإن أحمد منصور أعرب كما جاء في الأخبار عن أسفه.. « لكون دولة مثل ألمانيا تسمح بأن تكون عصاً لنظام إنقلابي».. إشارة للنظام المصري برئاسة السيسي.. وهو بذلك يمُعن في غير ما ضرورة في تصنيف نفسه «سياسياً» وليس منهياً، وينزع عن نفسه تعاطف عدد مقدر من محبيه بين جمهور المشاهدين. ٭ ومع ذلك.. مع ذلك لا نرى ضرورة لملاحقة إعلامي أو صحافي كأحمد منصور عبر الموانيء والمطارات الدولية، إن لم تكن هناك جريمة أو جناية محققة.. وحتى لو وجدت فإن كشفها موثقة ومدعومة بأدلتها الثبوتية للرأي العام كافية للقضاء على مستقبله المهني.. إن لم يكن هناك أصحاب حق خاص.. هم المعنيون بالملاحقة أو العفو والصفح.