هناك أصوات على الساحة بدأت ترتفع بإمتعاض شديد يلاحقها سؤالاً شارد ومعلق على أروقة الفنانين أو مطربي الساحة، فهذه الأصوات تشكو الإرتفاع المفاجئ لأجور هؤلاء المطربين مما أضعف الرغبة لطلبهم بنسبة قد تبدوا عالية في المناسبات المتعددة والمختلفة، وبدأت رؤية الإقبال في إنحصار شديد وبقدر ملحوظ وبدأ العرض متنازلاً لمن هو أقل سعراً ليؤدي الدور المطلوب خلال ساعتين هي عمر المشاركة. أقول من هذا المنظور تلاحظ لي تماماً هناك نفور وعدم رغبة لأسماء بعينها من بعض ا لمطربين والمطربات.. حيث بدأت ميول الإرتباط في عقوداتهم تأخذ طابع الإرتفاع الجنوني في أسعار المشاركة.. مما أدهش الجميع وقد سمعت عن هذه الأرقام الفلكية في أكثر من مناسبة يلازمها رفض تأسفي للذين يعشقون فنهم، فتبدوا المؤشرات بغير صالحهم في ظل أجواء اقتصادية معقدة والتي تقلل تدريجياً من مشاركاتهم.. وهذا الهمس المطروح بدأت رقعته تزيد تحت مسمى إنتقال التواصل لمن هم أقل شهرة وأقل سعراً ويمكن أن يسحبوا البساط من تحت هؤلاء المطربين ليقدموا نماذجهم بشكل جاذب بغرض استيعابهم في المناسبات أياً كانت في الصالات أو الأندية المفتوحة، لأن الرؤية المادية أصبحت تشكل هاجساً في الرغبة والارتباط وبشكل لا يرضي الطرفين. لذا الاستقطاب الأجدى في مثل هذه المناسبات ينبغي لمثل هؤلاء المطربين أن يضعوه في قوالب عقلانية وممرحلة بحيث تكون الزيادة في الأجر تصاعدية لا يحس بها الطالب.. ولا يمكن بين يوم وآخر أن تكون الزيادة في قيمة المشاركة قد تجاوزت ال«75%» وربما 100% بدوافع غير منطقية ففي هذا الخصوص سألت أحد الأصدقاء في مناسبة لهم بإحدى الصالات عن سعر المطرب «....» الذي يحي لهم هذا الحفل فقال لي إن قيمة العقد «....» لحظتها إندهشت تماماً لأن الزيادة جاءت أكبر مما كنت أتوقعه من قبل ومهما يكن تعتبر الزيادات التي طرأت أخيراً زيادة خرافية ليس لها مبررات قد تقلل من الطلب نحوهم، لأن الساحة الغنائية مليئة بالمجيدين لأحياء حفل ناجح يؤدي الغرض ويدخل البهجة لأهل المناسبة وبأقل تكلفة.. أقول ما جاء ليس إعلاناً صريحاً لمحاربة مثل هؤلاء المطربين فهم بلاشك لهم جمهورهم ولكن ينبغي أن يكون هناك استيعاباً كاملاً للظروف المحاطة وأن يكون الفنان واقعياً يتماشى بمتقضيات الظروف وينظر للأمور من عدت محاور، أهمها وجوده كمطرب متفوق جاء من القاعدة التي أحترمت أدائة التطريبي منذ البدايات وأن يكون متساهلاً لأبعد الحدود وذلك بدراسة الأمر بشكل يكون متماشياً مع الوقت دون أن يظلم نفسه ومجموعته وفي نفس الوقت لا ينفر طالبه. أقول ما يدور الآن أن هناك أسعار برزت مؤخراً بصورة أزعجت الكثيرون وتركت سؤالاً قد لا نجد له إجابة مقنعة.. رغم علمي التام أن الإجابة متوفرة لهؤلاء المطربين. ما استشهد به الآن في ظل هذا التساؤل.. أن ما سبق في العقود والسنوات التي خلت أن الفنانين كانت رؤيتهم المادية ليست موضع «شد وجذب» بل كانت أقرب للرمزية، وكم من مفاوضات أجريناها مع مطربين كبار لهم تاريخهم وشهرتهم فقد كانوا يتوارون خجلاً في التفاوض.. وكم من مطربين يصلون إلى رقم يرضي الطرف الثاني فيقدموا وصلاتهم الغنائية حتى الصباح ويخرجون وهم أكثر سعادة لأنهم أحسوا بأنهم أسعدوا قاعدتهم تماماً ولساعات طوال وليس لساعتين فقط. وكم من مناسبات خارج إطار الأفراح الأسرية.. أي في اللقاءات الجماهيرية التي تقع في دائرة متعهدي الحفلات.. كانوا لا ينظرون إلى الكم ولكن إلى الكيف، إلى العطاء والإبداع وأذكر أن هناك مطرب له شهرته الواسعة أجرى حفلاً خيرياً في إحدى مدن الشمال الكبيرة فأحس أن له جمهور كبير في هذه المدينة وكانت السعادة بادية في عيونهم فما كان من هذا الفنان إلا أن خصص جزءاً من الدخل لصالح مستشفى تلك المدينة، وأعلنها على الملأ من خلال مايكرفون الحفل.. فهللت جماهيره فكان حديث المدينة لسنوات طويلة بل ولازالت عالقة في الأذهان. إذن الفن رسالة إبداعية تنتقل لمشاعر الآخرين لتظل خالدة في وجدان المعجبين بصورة لا يمكن تجاوزها ونسيانها. إنني سعيد أن هناك من هم أكثر طرحاً على فنهم ورسالتهم الإبداعية وأتمناهم أن يحذوا حذوهم ليظلوا حضوراً دون النظر للأطماع المادية.. ولابد أن يكون هناك بعد تقديراً يرمي بظلاله الإيجابية على العطاء ويبقى على الأجر حالة فيها التوازن المنطقي الذي يرضي كل الأطراف ويجعله دائم الحضور طالما هناك طلب دائم له كمطرب ناجح. أقول الساحة مليئة «بالتطريب» بأشكاله المتعددة وعلى المبدع الذي ذهب بعيداً بفنه أن يكون دائماً أقرب لجمهوره، وألا يضع المادة جزءاً مكملاً لموهبته متخذاً من موهبته تسويقاً. فقد استمعت للراغبين لفنه مفردة الإستغلالية. الفن الغنائي رسالة لا يمكن أن نحكم عليها بأنها بدأت بالظهور عبر البرامج الناجحة، كما قال أظهر في برنامج أغاني وأغاني، بينما الأستاذ السر قدور لا يضم إلا من هو مبدع. علينا كمطربين أن نبحث عن أنفسنا من واقع التجربة الطويلة.. فهناك رائعون في كل شيء.