«الصمت فضيلة الحمقى» .. فرانسيس بيكون! لن ينسى العالم محمد سعيد الصحاف الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية - أيام حرب الخليج الثانية – الذي حدثنا كثيراً وطويلاً عن دحر الأوغاد والطراطير والمرتزقة كقطعان الخراف أمام جيوش صدام، حتى أن الأمريكان اضطروا إلى تغريب كلمة (علوج) التي كان يكثر من وصفهم بها – والتي لم يجدوا في معاجمهم لفظاً مطابقاً لمعناها – فظلت الكلمة تنطق كما هي بعد «فرنجة» المصطلح ..! القوات الامريكية تحتل مطار بغداد والصحاف يواجه كاميرات القنوات العالمية بزيه العسكري وأكاذيبه الجريئة اللامبالية وابتسامته المستهترة، ويبشر أحفاد صلاح الدين بأن العلوج قد شارفوا على الانتحار على أسوار بغداد الاعتبارية .. الدبابات تتوغل في شوارع بغداد وهو يحدث العالم عن مدينته الآمنة، وعن أوغاد العصابة الدولية الذين يقتلون بالمئات خلف أبواب المدينة.. فيتحول بذلك إلى أيقونة تحدي لها مقدراتها الخرافية على زعزعة ثقة العالم فيما كان يشاهده بأم عينه على شاشات التلفزة .. بلا سلاح يذكر سوى المقدرات الهائلة على التلاعب بالألفاظ ..! حتى إذا ما انطفأ آخر سراج، وسقط آخر حجر، وانقشعت سحب التصريحات المضللة، رأى العالم بغداد .. حزينة .. كسيرة .. مغتصبة .. بعيدة كل البعد عن أمجاد الصحاف الكلامية، وخالية – بعد كل هذا - من أي أثر للناطق الرسمي ..! ولن ينسى الألمان تأثير فداحة ندم رئيس بلادهم الأسبق واختناق صوته وهو يلقي خطاب استقالته عن منصبه بسبب تداعيات تصريحاته الطائشة التي ربطت ين وجود قوات ألمانية في أفغانستان ومصالح ألمانيا الاقتصادية .. ولن تنسى أمريكا تهديدات شركة النفط الليبية العامة لشركات النفط الأمريكية في أعقاب عبارة ساخرة أطلقها المتحدث الأسبق باسم الخارجية الأمريكية تعليقاً على تصريح للرئيس الليبي السابق معمر القذافي بوجوب إعلان الجهاد ضد سويسرا – إيام معركة حظر المآذن إياها! - .. وكيف سارع الرجل بالاعتذار حتى لا تتضرر مصالح بلاده ..! تذكرت هذه الوقائع التي أوردتها قبل سنوات في مقال بعنوان (الناطق الرسمي)، تناول كوارث الانسياق وراء فوضى التصريحات في بلادنا، بعد التصعيد البرلماني الأخير بشأن تضارب تصريحات المسئولين – وغير المسؤولين – في حكومة السودان التي «تحدَّث ولا تتحرَّج» ..! «السيد وزير الإعلام أقر بعدم دقة البيانات الحكومية المبذولة للرأي العام، وتضارب فحواها بين الجهة والأخرى، وانتقد تعدد الناطقين باسم الحكومة، مقراً بوجود «هرجلة» في الخطاب الرسمي .. والسيد وكيل وزارة الإعلام قال بأن وظيفة الناطق الرسمي هي «إحدى الاشكالات التي تواجه الوزارة، وأنهم ساعون إلى توفير متحدثين رسميين تتم تغذيتهم بمعلومات راتبة وتوجيههم توجيهاً متخصصاً، ومنحهم خلفيات مناسبة عن القضايا التي تحتاج الحكومة تسويقها للرأي العام» ..! نحن في عصر المفاجآت الشعبية التي لا تخطر لحكوماتها على بال، وما تزال عشوائية الطرح ثقب كبير في ثوب هذه الحكومة، وما تزال رداءة الإنابة وضعف التمثيل الإعلامي من الأسباب الرئيسة في معظم سقطاتها المحلية وخيباتها العالمية .. فهل من مذَّكر ..؟!