الآن وقد وافقت الحكومة على مواصلة الاجتماعات والحوار خارج السودان بقبول دعوة امبيكي للاجتماع في أديس أبابا خلال نوفمبر الحالي مع قطاع الشمال، وهو بمثابة مواصلة الحوار مع قطاع الشمال بمرجعية القرار 2046 والذي توقف في آخر اجتماع في نوفمبر 2014م بعد فشل المباحثات ويعتبر أيضاً اجتماعاً تحضيرياً للاجتماع التحضيري المشار إليه في المادة (20) الفقرة (ب) من القرار 539 الذي يضم كافة الأطراف الحكومة والمعارضة المدنية والعسكرية.. عليه يكون اجتماع نوفمبر مع قطاع الشمال خطوة مهمة للآلية الأفريقية وضوءاً أخضر أو أحمر لعقد الاجتماع التحضيري الموسع والاجتماع مع قطاع الشمال- هذا سيكون من شقين- الشق الأول للإتفاق على الضمانات التي تقدمها الحكومة لوفد قطاع الشمال للإنخراط في الحوار في الخرطوم وسلامة عودة الوفد من حيث أتى حال فشل الحوار، والشق الثاني التأكيد على وقف إطلاق النار وتحديد فترة الوقف، لذلك هذا الاجتماع الثنائي بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال يعتبر المقدمة الضرورية لتنفيذ القرار 539 في مساره الأول كما هو منصوص عليه في المادة (13) والتي تنص على إنهاء جميع الصراعات العنيفة في السودان في عملية واحدة ذات مسارين. في حالة نجاح هذا الاجتماع- كما هو متوقع- ستقوم الآلية الأفريقية بدعوة كل الأطراف للاجتماع التحضيري المنصوص عليه في القرار 539 والأطراف التي ستتم دعوتها هي قطاع الشمال، وحركات دارفور الثلاث، وحزب الأمة القومي وبقية الأحزاب التي تتوافق على الهبوط الناعم والحل السلمي، وأحزاب قوى الاجماع مثل الحزب الشيوعي، وحزب البعث، وفصائل الاتحاديين، والناصريين، وكل من ينادي بإزالة النظام تماماً لن تتم دعوته. لكن وبالضرورة هذا الاجتماع التحضيري الموسع المنصوص عليه في القرار 539 لن تتم الدعوة له إذا فشل اجتماع الحكومة مع قطاع الشمال هذا الشهر، إذ سيكون ذلك ضوءاً أحمر في طريق إعمال القرار 539 والذي تنتهي الفترة المحددة له يوم 25 نوفمبر أّي بعد ثلاثة وعشرين يوماً من الآن.. إذا نجح اجتماع قطاع الشمال والاجتماع التحضيري الموسع سينخرط الجميع في الحوار الوطني الحالي في لجنتين جديدتين للجان الحوار الحالي- اللجنة الأولى تختص بالمسار الأول مع قطاع الشمال تعقد في الخرطوم أو من الأفضل عقدها خارج الخرطوم، في بورتسودان أو كسلا أو القضارف مثلاً لتأكيد خصوصية إعمال هذه اللجنة، وبُعدها عن الأضواء الإعلامية الساطعة في الخرطوم، وكذلك اللجنة الثانية تخص مسار دارفور وتضم الحركات المسلحة الدارفورية الثلاث، وأيضاً يفضل عقد اجتماعاتها خارج الخرطوم في الأبيض، أو مدني أو كنانة مثلاً، واجتماعات اللجنتين ستتم تحت رعاية الآلية الافريقية الرفيعة- اللجنتان في المسارين ستدخلان المؤتمر الوطني الحاكم في منعطف خطير، ذلك لتباين الآراء داخل الحزب من مخرجات الحوار والسقف الذي تؤمن به كل مجموعة- المنعطف الخطير يكمن في: أولاً: في مسار لجنة قطاع الشمال ستكون المرجعية هي الاتفاقية الإطارية حسب منصوص المادة الثالثة من القرار 2046 والتي تم رفضها أول يوليو 2011م بعد ثلاثة أيام من توقيع د. نافع عليها مع عقار، أهم مواد الإطارية تشير الى دمج قوات قطاع الشمال في الجيش القومي السوداني مقابل تكوين حزب سياسي كامل الدسم لقطاع الشمال.. يرى الرافضون لها أنها تشكل خطراً داهماً على المشروع الإسلامي والحركة الإسلامية، إذ أن حزب الحركة الشعبية سيكون حزباً يسارياً علمانياً سيستقطب في عضويته كل المعارضين للإنقاذ وفئات الشعب الجالسين على الرصيف، والذين يعانون من صعوبة العيش خاصة الشباب من الجنسين، وستبلغ عضوية الحزب في فترة وجيزة وفي كل أنحاء السودان أكثر من ثلاثة ملايين، خاصة في الهوامش خارج العاصمة- المنعطف الخطير هنا أنه حال بدأ الحوار بحضور الآلية الأفريقية والاتفاق فإن أمر هذا الحزب اليساري العريض سيكون واقعاً محمياً بالاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي يصعب النكوص عنه والتراجع منه، وتصبح (ورطة) وغصة في حلق الحركة الإسلامية، لذلك نجد أن في المؤتمر الوطني قيادات نافذة ترفض الحوار ابتداء جملة وتفصيلاً ولا ترغب فيه، ومجموعة أخرى تقبل التحاور شكلاً وترفضه مضموناً عندما تصطدم بتكوين حزب سياسي يساري لقطاع الشمال، ووضع مميز للحكم في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أشبه بالحكم الذاتي، برئاسة الحلو وعقار في كل من الولايتين. ثانياً: في اللجنة الثانية المسار الثاني الخاص بدارفور المنعطف يكمن في مطلب الحركات الثلاث الثابت في إعادة ولايات دارفور الخمس الى إقليم واحد كما كان- الحكومة تقف مع الأقلية التي تطالب بالابقاء على الولايات الخمس، وتقبل بإجراء استفتاء للعودة الى اقليم واحد حسب مخرجات اتفاقية الدوحة، وأعلن الرئيس أن الاستفتاء في أبريل 2016م.. تثبيت الاستفتاء يعتبر سقفاً غير منطقي ويتعارض مع تأكيد الرئيس بأن مخرجات الحوار ستنفذ، ماذا سيكون الموقف إذا توصلت هذه اللجنة في الحوار الى العودة الى اقليم واحد لدارفور؟.. هذا الاستفتاء وإن جاء في اتفاقات الدوحة غير عملي لأن التقسيم الحالي تم بدون استفتاء، لماذا الرجوع عنه لا يكون إلا باستفتاء؟ ثم أن مخرجات الدوحة لم توافق عليها الحركات المسلحة الثلاث، والمؤثرة حتى الآن في كل مشاكل دارفور الأمنية والنزوح ومعاناة المواطنين، والتي أدت الى قلق المجتمع الدولي وإصدار الكثير من القرارات الأممية- لماذا الإصرار على اعتماد مخرجات الدوحة كاملة، بالرغم من عدم تنفيذ الكثير منها حتى الآن، وقد أثبتت التجربة العملية عدم استتباب الأمن حتى الآن بالرغم من عودة جزء قليل من حركات دارفور المسلحة المنفصلة من الحركات الرئيسية الثلاث التي ما زالت تعارض وتريد التفاوض وتعديل اتفاقات الدوحة.. ثم ماذا عن تصاعد الصراع القبلي الذي اشتعل بسبب تقسيم دارفور الى خمس ولايات أنصفت قبائل وظلمت أخرى، وماذا عن تصاعد النزاعات المسلحة القبلية بسبب اكتشافات المعادن في مناطق بعض القبائل- الهدوء النسبي الحالي يجب أن لا يحجب حقيقة استمرار اقليم دارفور فوق صفيح ساخن وبرميل بارود كامن، خاصة إذا تدهورت الأوضاع الأمنية أو تغيرت أنظمة في دول جوار دارفور واستتب الأمن بأية وسيلة في دولة جنوب السودان- بدائل سلفاكير في الحركة الشعبية معادية للسودان بإرث قديم وبُعد خارجي، خاصة يوغندا واسرائيل. من هذا التحليل أرى أنه من المستحيل إرضاء كل الأطراف وكذلك يستحيل الاستمرار في الوضع الراهن في المنطقة الرمادية، لذلك مواصلة الحوار الحالي بعد إضافة اللجنتين الجديدتين تحت رعاية الاتحاد الأفريقي في اجتماعات داخل السودان وخارج الخرطوم دون أي سقوفات أو خطوط حمراء مع استبعاد المتشددين من كل جانب، هو الطريق الأمثل والوحيد للخروج بالسودان من طريق الفوضى والذي سيزيد من احتمالات حدوثها تذمر وململة الغالبية العظمى من التدهور الاقتصادي المتزايد وصعوبة حصولها على السلع الضرورية والخدمات الأساسية وغلائها. والله الموفق....