يبدو أن السعر المغري لطن البرسيم دفع بالاختصاصي في جراحة العظام والإصابات للدخول في شراكة زراعية كبيرة ويروي قائلاً: في سبيل هذه الشراكة بعت منزلي في بريطانيا حيث خدمت هناك 21 سنة كما بعت منزلي الواقع بضاحية المهندسين بأم درمان ودفعت استحقاقي من نهاية الخدمة في مستشفى زايد العسكري للدخول في هذه الشراكة، حيث كنت أعمل استشاري جراحة عظام هناك، وباختصار كانت مخاطرة كبيرة وكانت الفكرة أن نزرع البرسيم للصادر، وقد أغراني السعر المجزي والبالغ 523 دولاراً للطن، مع العلم أن الفدان ينتج طناً في الشهر الواحد، ما يعني استرجاع رأس المال في مدة عامين، لكن فاجأتنا حكومة السودان بمنح عشرات الآلاف من الأفدنة لمستثمرين خليجيين لزراعة البرسيم وتصديره، فتكون بذلك هزمت سياسة الصادر بأن نسمح للمستثمرين بالإنتاج والتصدير. تقع مزرعتنا بالقرب من شندي يجاورنا إماراتي وتركي وعماني وقطري، وقد تم توزيع مشاريع لزراعة البرسيم حتى منطقة البطانة لخليجيين، وهنا أذكر أسماء بعض المشاريع ومساحتها، منها200 ألف فدان لحكومة البحرين و100 ألف فدان لشركة المراعي السعودية و100 ألف فدان لشركة نادك السعودية و100 فدان لشركة الصافي السعودية و100 ألف فدان لشركة الروابي الإماراتية و100 ألف فدان لشركة صينية و50 ألف فدان لمجموعة الراجحي. وللوقوف على الحقائق حول محصول البرسيم التقينا عدداً من أصحاب الشأن والمختصين والخبراء. استهلاك المياه الخبير الزراعي حسن سيد أحمد قال إن زراعة البرسيم تستهلك كمية من المياه ويصدر في شكل بالات جافة لكن إذا كان له مردود من العملات الصعبة فليس هناك إشكالية ومعلوم أن كل محاصيل العلف تستهلك مياهاً ويتغذى عليها الحيوان الذي يتم تصديره للخارج. فتأثيرها على المياه ليس بالسلبية الكبيرة وأعتقد أن المياه ستكون إشكالية القرون القادمة، لذلك لا بد من إعادة حسابات الاستخدام بصفة عامة خاصة في الزراعة عبر استخدام طرق الري الحديثة بدلاً عن الري التقليدي لتقليل الاستهلاك واختيار المحاصيل التي تستهلك كميات قليلة من الماء وعمل برامج إرشاد للمواطنين للاستهلاك الأمثل باعتبارها ثروة قومية، بالإضافة إلى عمل برنامج قومي لمسح الأصول السودانية والموارد الطبيعية خاصة المياه السطحية والجوفية والأراضي باعتبار أنها تحتوي على ثروات معدنية غالية لا بد من مسحها قبل تأجيرها للمستثمرين، كما يجب وضع برنامج بناء يتخذ القرار في تحديد فترة الاستثمار الوطني والأجنبي على أن يصدر ما ينتجه المستثمر مصنعاً ولا بد من وضع شروط في هذا الإطار. حقوق الأجيال وهنا أشير إلى ضرورة الاهتمام بالتنمية المستدامة مع مراعاة حقوق الأجيال الحالية والقادمة وقال لا بد من وضع ضوابط تحكم استهلاك الموارد خاصة المياه حتى لا يؤثر الاستهلاك بصورة غير مرشدة على حقوق الأجيال القادمة، وركز على عدم تصدير المنتجات السودانية كمواد خام سواء كانت ماشية حية أو صادرات زراعية وقال لا بد من تصدير اللحوم بدلاً عن الماشية الحية للاستفادة من مخلفات الذبيح، وقال لا بد أن نركز على زراعة المحاصيل التي تستهلك مياهاً أقل، وأضاف إذا زرعنا محاصيل ذات استهلاك عالٍ للمياه كقصب السكر والبرسيم، لا بد من حساب مردودها الاقتصادي عند التصدير، قائلاً إن الأمر يحتاج إلى موازنة وهل المردود يغطي تكلفة الإنتاج. فجوة علفية وقال رئيس غرف الإنتاج الزراعي والحيواني دكتور خالد المقبول أنا ضد سياسة تصدير البرسيم تماماً باعتبار أن هناك فجوة علفية تقدر بحوالي 14 مليون طن، والبرسيم من البقوليات التي تغذي التربة ليرفع من قيمتها، واستنكر إنتاج أعلاف تستهلك كميات كبيرة من المياه لا نكون كمن يصدر مياهاً ونحن في حاجه لها، وقال لا داعي لصادر البرسيم ونحن نعاني من نقص في الأعلاف وكان الأجدى أن يستفيد منه الحيوان خاصة أن طن اللحوم يقدر بحوالي 700 دولار، وطن البرسيم بحوالي 300 دولار، السودان يعاني هذا العام من خريف سييء وكل العلف سيستهلك محلياً، وركز على أن يكون هناك أمر طواريء ليتم الاستزراع لإنتاج أعلاف الثروة الحيوانية لضعف الخريف هذا العام، وقال ليست هناك إحصاءات حول حجم النقص في الأعلاف هذا العام إلا أنه قال إن المؤشرات واضحة حول هذا الأمر، وأضاف أن هناك شكوى كبيرة من ضعف المرعى. ناقوس خطر ودق المقبول جرس الإنذار وناقوس الخطر لأهمية وضع خطة طواريء لتجاوز مشكلة نقص الأعلاف على أن يكون اتحاد غرف الزراعة والإنتاج الحيواني هو المشرف عليها خاصة المولاص والردة وكذلك المخلفات الزراعية ، وطالب بحصاد أخضر بالإضافة إلى تخصيص مساحات لزراعة الأعلاف في المشاريع المروية ووضع برنامج إسعافي لإقامة مراعي تكميلية وبرنامج لحصاد وحزم الأعلاف، وأشار إلى أهمية أن تتم بعض المعالجات على مستوى الحقل للمخلفات الزراعية لرفع قيمتها الغذائية، بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم، وطالب أن يخصص مخزون إستراتيجي للحيوان أيضاً، وكشف عن خطة بمشاركة وزارة الصناعة في إطار أيلولة المولاص لاتحاد غرف الزراعة، وقال خلال الأيام القادمة سنسلم دراسة لوزارة الصناعة توضح الحاجة الحقيقية من الأعلاف، بالإضافة إلى تخفيض أسعار المولاص وقال أسعاره الآن مرتفعة جداً تتراوح بين 800 - 1000 جنيه للطن، وتوقع أن يصل السعر إلى 1200 جنيه، وقال في السابق سعر الطن يتراوح بين 400 - 500 جنيه للطن. مساحات محدودة كما التقينا بالأمين العام السابق لاتحاد مزارعي ولاية الخرطوم صديق علي أحمد حيث قال إن البرسيم يزرع في مساحات محدودة على شاطيء النيل لتوفير العلف للحيوانات، وأكد أنه يستهلك كميات كبيرة من المياه إلا أنه قال هي ليست بالصورة التي تؤثر على مستويات المياه، وإن البرسيم الآن يزرع عن طريق الري المحوري الذي يستهلك مياهاً أقل من الري عن طريق الغمر، كما تتم زراعته في غرب أم درمان وشرق النيل من المياه الجوفية، واعتبر محصول صادر البرسيم مفيداً من الناحية الاقتصادية باعتباره لا يؤثر في الاستهلاك المحلي وفي نفس الوقت يوفر عملات أجنبية، كما أنه غيّر من التركيبة المحصولية وأصبح محصول صادر ما يمثل فائدة بالنسبة للمزارع والاستثمار الزراعي، وقال إن زراعة البرسيم في نمو مستمر، وأضاف أن إيجار الأرض للمستثمرين لزراعتها مهما قل العائد أفضل من تركها بدون زراعة وخاصة أن الأرض لا تحتوي على أي بنيات أساسية، واعتبر زراعة البرسيم في مصلحة البلاد حتى إذا لم يصدر فيستفيد منه السوق المحلي وتصبح له تأثيرات إيجابية خاصة في توفير الغذاء للحيوان داخل ولاية الخرطوم. تجربة جديدة رحب النائب البرلماني وعضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني دكتور بابكر محمد توم بكل أنواع الصادر ومن ضمنها محصول البرسيم باعتبار أن سياسة الدولة تشجع الإنتاج والصادر، وقال إن السودان في السابق لم يعرف صادر البرسيم والآن أصبح من الصادرات الرئيسية وعاب تصديره خاماً وفي نفس الوقت يتم استيراد ألبان وبذلك نفقد القيمة المضافة خاصة والسودان يواجه ارتفاعاً في أسعار اللحوم والألبان، داعياً للتوجه لزراعة مساحات أكبر من علف البرسيم لنتمكن من زيادة إنتاج الألبان واللحوم، بالتالي تنخفض أسعارها، واعتبر زراعة البرسيم تجربة جديدة لم يعرفها السودان من قبل، ودعا إلى عمل مزارع رعوية لإنتاج الألبان محلياً عبر تربية المواشي، وأشار إلى وجود سوق كبير خاصة حول المدن، وأضاف بذلك نخلق فرص عمل وتنمية محلية مع الزام المستثمرين بإقامة برامج خاصة بالمسؤولية الاجتماعية، وشدد على ضرورة تقنين العلاقة بين المستثمرين وأصحاب الأرض تقوم على نظام الإيجار مع إعطاء أصحاب الأرض مساحة يتم استصلاحها ليتعلموا العمل. تأثيره على المياه الجوفية فيما يرى مدير الخدمات الزراعية بوزارة الزراعة والثروة الحيوانية بدر الدين المنا أن محصول البرسيم لا يؤثر على المياه الجوفية وأن تكلفة ري الفدان في الشهر حوالي 120 جنيهاً، علماً بأن علف أبو سبعين يكلف 250 جنيهاً، وقال إن البرسيم يصدر جافاً حيث تقوم بتصديره مجموعة من المستثمرين على رأسهم شركة دال، وأضاف أنه ككل المحاصيل لا يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه قد تؤثر على منسوب المياه.