ونعود اليوم.. ونحن في أسفل ورقة الأسئلة.. وهذه المرة... أكتب من أشد المناطق خطراً وخطورة.. من معقل آمال ومحور الشعب... أو يجب أن تكون... من تحت قبة البرلمان.. ويا لسحر وروعة وعظمة كلمة «البرلمان».. وفي كل البلاد الديمقراطية.. تلك الشاهقة الشاسعة الظليلة.. الوريفة الجميلة... البهية.. الحديقة.. هناك البرلمان هو لسان الشعب الفصيح... هناك ينتشر في فضاء قبته عطر الشعب... هناك خلف «مكرفوناته» تنطلق ألسنة الشعب... هناك تأتي أبداً ودوماً... وحتماً... آمال وأحلام... آلام وأوجاع الشعب... نعم اليوم أنا أكتب من شرفة قاعة المجلس الوطني الوسيمة.. الفخيمة... الوسيعة... المترفة... ويلتقط قلمي من صفحة عقلي وأذني... كلمات... تفيض عجباً... وتنؤ دهشة... كان ذلك في تلك الجلسة المهمة والخطيرة... جلسة ترأستها الأستاذة سامية أحمد محمد.. كان التداول حول الميزانية الأخيرة التي قدمها وزير المالية.. كانت الجلسة وعصبها وعمود خيمتها هو العرض الثاني بل القراءة الثانية نقاشاً حول السمات العامة... وبعد أن أفاض المتحدثون من أعضاء المجلس الوطني.. في تطويل.. ومجادلة ومناقشة... لم يترك الأعضاء بنداً أو كلمة إلا وقتلوها بحثاً.. حتى خلت أن القاعة تردد صدى كلمات «عنترة» هل غادر الشعراء من متردم.. عندما وصل الأعضاء «الميس» «قفلت» الأستاذة سامية باب النقاش... وشرعت في إجراء التصويت على الميزانية.. وفي قلب صفحة إجازة الميزانية وبعد أن انطوت تماماً «حصة» النقاش.. هنا نهض القانوني البرلماني الذي عركته وعجمت عود «لسانه» طول آماده في البرلمانات.. نهض الأستاذ محمد الحسن الأمين مطالباً بنقطة نظام... وسط دهشة الجميع.. وفزع الأستاذة سامية وبدأ الحديث عن صلب الموضوع.. رغم كلمات رئيسة الجلسة وهي تعجب من «نقطة نظامه» في مرحلة التصويت... وسؤالنا للنائب القانوني المحترم... كيف تطالب بما يناهض ويجافي الأعراف البرلمانية التي تسود العالم من «الإكوادور» وحتى «بكين» من النرويج حتى «الكيب».. نحن نعرف أنك تعرف أن ذلك يخالف اللوائح وقوانين البرلمانات.. أم تراك عاودك الحنين إلى نقاط نظامك التي خلخلت بها الجمعية التأسيسية.. وجعلتها «مضحكة» ليسهل للإنقاذيين دهسها لتخر صريعة مع أول ضربة... وسؤال آخر في نفس الجلسة من نفس «الشُرفة» أكتبه بالدم لا بالدموع... بعد أن تهرأت كبدي ونُحر فؤادي... وأحد الأعضاء المحترمين.. وهم «يفلفلون» الميزانية في جلد وصبر ودأب... يعلمون تمام العلم بأنها ميزانية للتقشف... وهي عنوان لأيام قاسية.. تواجه وتقابل السودان... وتصب آثارها الحزينة في قلب معاناة الإنسان والذي هو المواطن السوداني... هنا نهض ذاك العضو ليقول في كلمات قوية صارخة ومدوية.. إنه يطالب بزيادة مخصصات النواب كل النواب بلا «فرز» لتتساوى مع رواتب رؤساء اللجان ونواب رئيس المجلس... يطالب بذلك وحجته بل حكمة مشروعية مطالبته أنهم جميعاً سواسسية فقد اختارهم الشعب.. ولا فضل لرئيس لجنة أو نائب رئيس المجلس على أي عضو جاء محمولاً على أكتاف الناخبين والذين هم «الشعب». نسأل هذا العضو المحترم.. ألهذا انتخبك «أهالي» ومواطنو دائرتك... أما سمعت أبداً بمقولة الإخوة «البعثيين» تلك الجميلة نحن أول من يعطي وآخر من يستفيد... ثم... هل تعلم سيدي النائب أن جل بل كل المعاشيين من أبناء وطنك... يكابدون ويصارعون الحياة.. بمعاش.. يبدأ من 150 جنيه حتى 500 جنيه... هل سألت نفسك يوماً... كيف يعيش هؤلاء... ومن أين يطعمون أولادهم. وختاماً نسألك سيدي النائب... هل أنت تنوب عن المواطنين السودانيين الذين يقاتلون حر الهجير والزمهرير وظروف الجحيم... بدراهم محدودة ومعدودة... أم أنت تنوب عن سكان «بفرلي هيلز».. أو مواطني جزيرة موناكو.