أعني بلغة العصر منظمات المجتمع المدني التي تربعت خلال السنوات الماضية على مشهد النشاط الاجتماعي والحزبي وسط المواطنين، فالناظر للساحة السودانية الآن يرى بكل جلاء الحراك المكثف الذي تضطلع به منظمات المجتمع المدني المتمثل في تقديم الخدمات للمواطنين في كافة المجالات بعد أن رفعت الدولة يدها عن التعليم والصحة بصورة شبه كاملة، ويحق لنا أن نقول إن هذه المنظمات أضحت هي لغة العصر.. واحتضنت في أروقتها الآلاف من الشباب.. وكاتب هذه السطور ليس ببعيد عن هذا المجال الحيوي الذي أحدث حراكاً مجتمعياً كبيراً وسط قطاعات المجتمع المختلفة.. فأنا ضمن مجموعة يربو تعدادها على الأربعمائة شخص تنادوا قبل أكثر من نصف عقد وانشأوا منظمة الأمل الخيرية للتنمية، ورغم حداثة المنظمة إلا أنها قدمت خدمات كبيرة في مجال التعليم والصحة، حيث قامت بصيانة وإعادة تأهيل عدد من المرافق التعليمية بالخرطوم وولاية الجزيرة والولاية الشمالية، وفي المجال الصحي قدمت الدواء وساهمت في إجراء عدد من العمليات الجراحية في توأمة مع منظمة دكتور كمال أبوسن والمنظمة الإسلامية الطبية وعدد من الاختصاصيين في مجالات الطب المختلفة، وآخر إنجازات المنظمة تنظيمها بالتضامن مع مجموعة المبادرات النسائية ووزارة الصحة بالولاية الشمالية، قافلة طبية للعمل في مجال الكشف المبكر لسرطان الثدي بمحليات الولاية المختلفة، وما زالت القافلة الطبيبة تؤدي دورها وسوف تنتقل بعدها لعدد من الولايات. والناظر للعالم الأول الذي تتصدره الولاياتالمتحدةالأمريكية، يجد أن منظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث والدراسات تلعب دوراً مهماً وكبيراً، حيث تستعين بها مراكز القرار في الإدارة الأمريكية والكونغرس ووكالة الاستخبارات الأمريكية في إعداد الدراسات قبل إصدار القرارات المصيرية داخلياً وخارجياً. فهذه المنظمات أضحت حقاً وحقيقة لغة العصر وظلت تزحف بكل قوة وجسارة لإحلال موقع الأحزاب والتنظيمات السياسية، وأصبحت قريبة من المواطن تلبي احتياجاته وأشواقه التي غفلت عنها تلك الأحزاب. وفي السودان نرى أن دور الأحزاب يشهد ضموراً كل يوم، حيث اتجهت طلائع الشباب صوب منظمات المجتمع المدني ليوظفوا طاقاتهم في خدمة مجتمعاتهم بتقديم الخدمات التي أغفلتها الأحزاب، وينسحب هذا على كل الأحزاب الحاكمة منها والمعارضة.. فالأحزاب الطائفية شاخت ولازمها الفشل طيلة الستين عاماً الماضية.. أما الحركة الإسلامية فإن فشل مشروعها في الحكم دفع الجيل الصاعد إلى الابتعاد عن رحابها إلا أصحاب المصالح، بعد أن كان يعول على نجاح المشروع الإسلامي ليكون نموذجاً للحكم الراشد محلياً وإقليمياً، أما أحزاب اليسار فإن انهيار تجربة الاتحاد السوفيتي أثرت كثيراً على أدائها، أما الأحزاب العروبية فإن انهيار تجربة العراق وسوريا ألقت بظلالها على أدائها. ومصداقاً لرأينا في أحزابنا السياسية فقد شهد مطلع الأسبوع حدثاً فريداً ومتميزاً يندر تكراره في أي بقعة في العالم من حولنا، وهو الذكرى الثالثة لرحيل الفنان محمود عبد العزيز، حيث تنادى قرابة الخمسين ألف شخص لإستاد المريخ للمساهمة في ملحمة الذكرى الحزينة، وفي يقيني أن أياً من أحزابنا التي تملأ الساحة لن تستطيع استقطاب ربع هذا العدد في مناسباتها السياسية، وهذا يؤكد زعمي بأن البساط قد ينسحب من تحت أقدام أحزابنا السياسية.