الأستاذ أحمد علي بقادي صحفي من الطراز الذي قلما يجود الزمان بمثله وهو بكل صدق من الذين ترفع لهم القبعات في أوربا . لقد ظل الأستاذ بقادي يعطي ويعطي الصحافة السودانية والمصرية ولم يستبقِ شيئاً.. أعطى الصحافة كل شيء .. كل شيء تقريباً ولم تعطه الصحافة أي شيء.. وإذا قلنا تجاوزاً إن الصحافة قد أعطته بعض شيء مما يستحقه.. نعم نقول إن الصحافة قد أعطته هذا الاسم الكبير «أحمد علي بقادي».. هذا الاسم صاحب القلم المصادم.. المصادم في غير حقد أو غل ويكفيه فخراً الحملة الصحفية الكبرى عن «بيارة السوكي» التي كتب عنها بشرف لأنه لم ينتقد الأشخاص.. وإنما انتقد حزمة الأخطاء الجسيمة التي استصحبت عمل تلك «البيارة».. فقد قاد تلك الحملة الصحفية الشهيرة بضراوة وما كان يرضيه سوى رفعة هذا الوطن الجميل. أربعون عاماً وأكثر قضاها الأستاذ بقادي في مهنة التعب الجميل وما زال حتى يومنا هذا يعمل ويعمل بهمة عالية وعزيمة شاهقة.. وفي عام 1971 وبجمال روحه وخبرته الهائلة.. أراد أن يقدم خبرته الصحفية إلى جيل الشباب من الصحفيين.. فأصدر كتيباً صغيراً بعنوان «صحافة بالسياسة».. وقد تناول فيه بعضاً من تذكاراته وخبراته الصحفية.. ورغم أن الكتيب المعني قد جاء في طبعة متواضعة.. إلا أنه حقق نجاحاً شاهقاً.. حيث كانت المكتبة السودانية عطشى لمثل هذا النوع من المؤلفات التي تتحدث عن الصحافة السودانية.. جاء كتاب «صحافة بالسياسة» في (145) صفحة من القطع المتوسط.. وقد أبدع الفنان التشكيلي الشاهق محمد الصادق الحاج في تصميم الكتاب وقد أضفى عليه كثيراً من جمال روحه وإبداعاته.. وعموماً جاء الكتاب «بستان في زهرة».. أقول هذا وأنا أعلم أن تصميم الكتب له حصة شاهقة في نجاح وانتشار الكتب.. ومرد ذلك أن المتلقي العصري أصبح يتمتع بثقافة إبداعية ممتازة.. وذلك من خلال متابعاته للإنجازات والإبداعات الحديثة التي تحيط به. بدأ الصحفي الجميل أحمد علي بقادي كتابه الجميل بمقدمة أكثر جمالاً وقال إنها «لا بد منها» وقد استلهمت من هذه المقدمة مقدمتي عن هذا الكتاب الجميل بحق وليس بمجاملة.. لأنني وبكل بساطة لم أحظَ حتى اليوم بمعرفة الأستاذ أحمد علي بقادي معرفة شخصية سوى الزمالة في العمل الصحفي.. بل ولم ألتقه طوال حياتي حيث إن علاقتي بصحيفة «الرأي العام» الجميلة التي كان ينتمي إليها.. لم تكن بالقوة التي تجعلني أتعرف على محرريها الكبار إلى أن قادها في فترة ماضية صديقي العزيز جداً كمال حسن بخيت.. هذا الصحفي الجميل الذي جمّل الصحافة السودانية عموماً بكافة ألوان قوس قزح.. وكافة أطياف الزمن الوسيم الذي كانت فيه الصحافة السودانية تصنع الجمال لكل الأجيال.. و«صباح الخير» يا صديقي كمال والتحية للصحافة السودانية الوسيمة التي كانت تعيش في الزمن الوسيم. من الملاحظات التي لم أجد سبباً لها في كتاب «صحافة بالسياسة» هي أن الكتاب جاء بلا أبواب أو حتى فصول وبلا عناوين جانبية.. ومن ثم هل فضّل الأستاذ بقادي «الترقيم» بدلاً من العناوين؟.. حيث جاءت الفصول بالأرقام وليست بالعناوين.. وبلغت الأرقام (21) رقماً ولا أدري يا صاحبي هل هذا اتجاه جديد في عنونة الفصول أم سبقه أحدهم في هذا الاتجاه. تحدث الأستاذ بقادي في رقم (1) عن لقائه الأول بالصحافة أثناء دراسته في المدرسة الأولية.. حيث كان والده يأتي كل يوم متأبطاً مجموعة من الصحف السودانية.. منها صحيفتا «النيل» و «صوت السودان».. وكان ذاك في خواتيم ثلاثينيات القرن الماضي.. وكان وقتها طالباً بمدرسة حي القبة الأولية بمدينة الأبيض.. وكان قد كتب في الرقم (2) وقال: كان أول لقاء له وجهاً لوجه مع صاحبة الجلالة الصحافة قصيراً ومتجهماً. في شتاء عام 1952 كان يعيش في القاهرة التي كان قد اجتاحها برد قارس لم تشهده من قبل.. فلم يستطع مقاومة البرد.. فهرب من القاهرة وعاد إلى بلده السودان.. وفي السودان ساقته قدماه إلى مبنى صحيفة «السودان الجديد» التي كان يقودها الأستاذ أحمد يوسف هاشم «أبو الصحف».. وبرغم أن اللقاء الأول مع «أبو الصحف» كان عاصفاً.. إلا أنه نجح في العمل في الصحيفة. وفي الرقم (3) كتب عن لقائه الأول مع الصحفي الكبير زين العابدين أبوحاج في صحيفة «السوداني».. وكان قد حذره عن التعرض إلى العمل الحزبي.. وتم تعيينه محرراً في الصحيفة بدلاً من الصحفي علي الشيخ البشير الذي كان يقضي وقتها عقوبة في السجن جراء نشاطه المعادي للاستعمار الإنجليزي.. وكان يرأس تحرير السوداني الأستاذ «يحيى محمد عبدالقادر».. وفي الرقم (4) تحدث عن عودته للقاهرة لاستئناف دراسته الجامعية والعمل في آن واحد.. فعمل في مطابع التنظيم المصري السري. وفي الرقم (5) ذكر أنه بعد سنوات في العمل الصحفي والطباعة ألقيّ القبض عليه وتم إيداعه السجن.. لذلك أصبح يخشى على نفسه من مهنة الصحافة.. وفي الرقم (6) كتب بعض انطباعاته عن صحيفة «الميدان» لسان حال الحزب الشيوعي السوداني الذي كان يختبئ وراء اسم «الجبهة المعادية للاستعمار».. وشبه العمل فيها بأنه قتال وسجال.. وأكمل حديثه في الرقم (7) عن صحيفة «الميدان».. وفي الرقم (8) عاد يكتب عن سوء حظه ورقة حاله.. كما كتب عن الاتجاه المعادي لحكومة عبود نحو الصحافة والصحفيين.. وفي باقي الأرقام كتب عن تجربته في صحيفة «الرأي العام» التي كان يرأس تحريرها الأستاذ إسماعيل العتباني.. وكان الأستاذ بقادي يقوم بتحرير الأخبار الخارجية. بقيّ القول إن تجربة الصحفي الجميل الأستاذ أحمد علي بقادي.. كانت تجربة خصبة وفخمة وضخمة.. التحية للأستاذ أحمد علي بقادي صاحب أضخم تجربة صحفية شهدتها البلاد.