كنا في الزمن البهي نردد ونحن مفتونين بفورة الشباب مقطع أغنية إبراهيم الكاشف رحمه الله ( عند الأصيل لازم نعود ) ، كنا يا جماعة الخير نطوع حناجرنا الباهتة ونسربلها بنغمة من الحزن ونضغط عند مفردة ( نعود ) فتتسرب أصواتنا إلى الفضاءات العريضة كمعزوفة الريح في أمسيات تشهق من البكاء ، الآن بعد ان تساقطت الكثير من فواتير العمر ، لم يعد حلم العودة إلى أي مكان يمثل جزء من طموحاتنا المنطفئة ، عفوا العودة في المطلق أو العودة للزمن الجميل ليست موضوعنا اليوم ولكن المسألة تتعلق بعودة الفارس الجميل ابو عركي البخيت إلى عشاقه ومحبيه عبر أجهزة الإعلام ، أقول أجهزة الإعلام لان عركي رغم غيابه الاختياري كان متواجدا في الوعي الجمعي للناس بإبداعاته الاستثنائية ، وفي تصوري ان عودة ( ابو محمد ) كانت ابرز حدث أعلامي في الساحة الثقافية والفنية خلال السنوات الماضية ، ورغم إنني لست من مشاهدي الفضائية السودانية الا إنني كنت حريصا على متابعة عركي وهو يقيم عرسه الكرنفالي لمتلقين كانوا يبحثون عنه في طرقات الزمن ويتشوقون لعودته إلى المشهد الفني ، وكثافة الحضور في المهرجان الذي قدم له طارق كبلو تؤكد ان عشاق الطرب والكلمة التي تمسك بتلابيب الحواس وتحرك أوتار المشاعر كانوا متعطشين إلى هذه العودة ، وكم كانت سعادتي كبيرة حينما شاهدت ان أكثر من 90 في المائة من حضور الحفل كانوا من الشباب الذين لم ينقطع عنهم ابو عركي فصاغ همومهم وأوجاعهم وصور أحلامهم كبيارق الأمل لذا أدمنوا التواصل معه ، المهم في الموضوع رغم ان عركي كان بعيدا عن الاطلالة الإعلامية لأكثر من 20 عاما أو تزيد ، فقد كانت تلك سنوات تأمل استطاع فيها ان يؤلف ويوزع العشرات من أعماله الغنائية التي سيقدمها خلال الفترة المقبلة حسب قوله ، واذكر إنني هاتفت عركي مباركا لعشاقه ومحبيه العودة ، فقال ان مناشدات المشهد الفني والثقافي والمحبين طيلة السنوات الماضية تراكمت ما جعله يودع الصمت الاختياري للتواصل مع محبيه عبر أجهزة الإعلام ، دعوني أقول ان عودة صديقنا الجميل عركي تمثل عودة فارس موشح بالصلابة وأتصور ان مشروع عركي الغنائي وان ظل غائبا لسنوات طويلة فإن هذا المشروع ليس من المشاريع التي تشيخ بمرور الزمن ، فكل إعمال عركي ضمن حراكه الغنائي موقعة برسم القادم كما انه فارس يشدو ويصوغ أحلام أجيال مقبله ، أجيال تبحث عن نفسها وسط ركام الحياة و( الشهلته ) والشتات ألقسري الذي صاغت لعبته حكومة الإنقاذ فخرج مئات الألوف من أبناء الوطن في هجرات غير مسبوقة لا يحملون معهم تذاكر العودة إلى فضاءات البلد ، المهم مبروك عودة صديقنا عركي الجميل ، لكن في المقابل ادعو الله ان تخرس السنة الحرب ولا تعود الايام الماحقة للوطن . فعودة عن عودة تفرق .