وتنطوي صفحة مراسم عزاء الدكتور الترابي.. بعد أن أنفق أحبابه وتلامذته ومريدوه وحتى معارضون مداداً هادراً من المرافئ والوداع والحسرة والحزن واللوعة وحتى البكاء، وانفق بعضهم سيلاً من الدروع.. وآهات من الحزن والألم والأسى.. والحقيقة التي لا جدال فيها ولاخلاف معك أن الرجل كان قطباً في الوطن دارت حوله قامات هائلة، بل كان الدكتور الراحل يصنع الأحداث أيضاً لا خلاف ولا جدال أنه قد أحدث في الوطن وصنع أحداثاً جسام.. وترك بصمات لا يتجاوزها مراقب.. وعموماً أن الرجل اتفق الناس حوله أو اختلفوا فقد كان مركزاً وقلباً للأحداث التي شكلت الوطن لمدى نصف قرن من الزمان. والآن قد طويت صفحات العزاء.. وقطعاً وطبعاً أن دورة الحياة لن تتوقف وأن أيام وشموس الوطن لن تحتجب، وأن المستقبل مستقبل البلاد والأمة سوف تشرق شموس أيامه، لهذا علينا أن نستخلص ما يفيد وما يعود بالخير للوطن ونحن نستلهم من الأحزان، ونتعلم من الفواجع الصبر والحكمة.. أنا شخصياً قد خرجت من حادثة رحيل الدكتور الترابي بأن هذا الشعب وهذه الأمة أمة السودان أمة عظيمة، وأن هذا الشعب شعب مدهش فريد وأصيل ونبيل.. شعب يطوي صفحات الخلاف والاختلاف مهما كان صاخباً، مهما كان فاجراً مهما كان ضارياً، يطويها عند جلال الموت الذي أبداً يوحد أفئدة وقلوب السودانيين، وأنت تراهم على صعيد واحد تحت راية وطن واحد.. فقد ظلل الأسي حتى المعارضين للرجل، ونثروا كلمات المواساة ومدوا الأكف بل رفعوا الأكف استمطارا للعفو والمغفرة من رب كريم الى راحل من أبناء الأمة. أما الحدث الذي توقفت عنده كثيراً.. الذي كان نجمة في ليل الحزن هو كلمات قالها رئيس مركز العدل والمساواة الدكتور جبريل ابراهيم قال الرجل عبر الهاتف، بل عبَّر الرجل عن أمله في أن يحل السلام وأن يجمع شمل الوطن، وهذه سانحة اتمنى مخلصاً من الاخوة القائمين على أمر الوطن أن يهتبلوها وفرصة نادرة عليهم استثمارها حتى تصمت المدافع، وتخرس البنادق، وتخفق رايات السلام. نعم أن رحيل النجوم والشخصيات التي لها بصمات واضحة في مستقبل وخارطة الوطن تبقى حدثاً يتوقف الناس عنده طويلاً، ولكن ولأن الحياة لن تتوقف فإن الناس يجب أن تطوي سرادق العزاء وتواصل رحلة الحياة.. وهنا لابد من التوقف عند حديث الأستاذ حامد ممتاز، الذي تحدث عن الحوار وعن الشجاعة، وهنا نطلب منه ومن بيدهم مصير ومستقبل الوطن أن يمارسوا الشجاعة الكاملة، وأن يشمل الحوار إن أرادوا نجاحاً له كل مكونات الشعب السوداني بلا استثناء، وأن تنفرط مظلته ليستظل تحتها كل حزب وجذوره عميقة في تربة هذا الوطن، وأن تنفذ مخرجاته مهما كانت جريئة ومدوية. وختاماً.. أن آخر تأملاتي بعد أن شاهدت في خيمة العزاء قادة المؤتمر الشعبي، والحزن يحفر أخاديد على وجوههم، تبدى أمام ناظري بيت الشعر مرسوماً بحروف بارزة أسوا كأفراخ طيرا مهم بكرت فأصابها راميا ما خانه الوتر له الرحمة ولتلامذته وأحبابه العزاء.