عندما تكتسي أم درمان بثوب السواد فاعلم أن الأمر جلل، فهي التي شكلت وجدان السودان وصهرت أطرافه في بوتقة الوطنية والحب النبيل، أصالة أم در لا يعرفها الآن الكثيرون، فهي قيم سودانية أصيلة تعني نجدة الملهوف، وإشاعة السلام على من تعرف ومن لا تعرف كخلق المبعوث رحمة للعالمين يس محمد صلي الله عليه وسلم، وقد سمى عليه فتشبه به سلوكاً وبراً بأرحامه، لبس علية أم در القديمة بأحيائها العريقة سواداً قبل اسبوع مضى، فلذلك اسمحوا لي قراء هذه الصحيفة أن يختلف مقالي اليوم، لأنني لم اسطر كلماته المتواضعة بحبر الورق، بل بدمع ذارف حزين سكب على رحيل الخال العزيز الغالي يسن ابراهيم النعيم بكراوي، الذي ودعته الأسرة صبيحة الأحد الموافق العشرين من مارس في موكب حزين جداً، لم تشيعه المسالمة فحسب، بل كافة مدن وأحياء أم درمان بل وحتى الطيور شاركت في تشييعه، حيث رأى المشيعون مجموعة من الطيور تحلق في سماء مقابر البكري أثناء التشييع ... من هو يس النعيم.. هو ذلك الرجل الخدوم المحب للخير، المواصل لأرحامه ،الشفوق الهميم لا خواته، وأبناء اختيه، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، وإذا أصابتهم علة تجده قلقلاً وعينه تذرف دموعاً حتى يشفي السقيم منهم.. أذكر في الصغر كلما ذهبت للبيت الكبير اتساءل أين خالي يس يقولون(والله مشى في جنازة فلان و فلان عندو عقد مشى عليه). هكذا دائماً محباً للناس، مواصلاً لأهله وأصدقائه، كرس جل حياته لحب الناس والخير.. ذو يد سخية وعطاء بلاحدود .. كنا ننتظر زيارته بلهفة ،حيث لا يصل إلا ويديه ملأى بسخائه وكرمه.. كان صامتاً ذا صوت حنين منخفض، لم يغضب منا أبداً إلا في حالة عدم الامتثال لرغابته والتي تتمثل في راحتنا. قبل أكثر من عامين وعند عودتي من صلاة العصر، أختي الكبيرة تفتح لي باب المنزل وبصوت حزين تقول لي (خالو يس وقع ودوه الحوادث)، هذه بداية صراعه ورحلته الطويلة مع المرض، الذي ظل متمسكاً بصفاته السابقة، مواصلاً للأرحام وللأصدقاء، وكريماً جواداً، حيث لا ينه المرض عن ذلك، وهنا أذكر في إحدى المرات في العناية المكثفة بأحمد قاسم، كان بجانبه أخي أيمن الطيب يمد له كوب من العصير، قبل أن يتناوله يلتفت المرحوم ويؤشر لصاحب القلم أن يتناول أيضاً كوباً من العصير، أكرر كان ذلك في العناية المكثفة، أنه الهميم ابن النعيم لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. حقيقة لم استطع أن اكمل هذا المقال، لأن الحديث كثير، والصفات الحسنة كثيرة جداً، التي تمتع بها الخال يس في حياته، لا تتسع ان نجملها في مقال أو أكثر، بل نحتاج للكثير الكثير من الأعمدة لكي نتناول تلك الصفات. أخيراً أعزي نفسي وأسرة المرحوم ابراهيم النعيم اشقاؤه ( الخال محمد والخالات آسيا ورقية والوالدة انوار)، ولأبناء اختيه اسرة المرحوم الطيب النعيم، وأسرة المهندس حاتم الطاهر، أعزيهم من هنا في الفقد الجلل، واسأل الله أن يلهم الصبر وحسن العزاء، كما أعزي جميع آل النعيم بكراوي، وأصدقاءه لا سيما الأسرة المريخية وأسرة حي المسالمة (آل الماحي، آل اقاضي، آل خليل، وآل حسان)، الذين لم يتمالكوا أنفسهم عند سماع هذه المصيبة. اسأل الله العلي العظيم الحي القيوم أن يغفر ويرحم الخال يس، ويجعل مرضه والمه كفارة له، وان يدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا.. ولا نقول إلا مايرضي الله عزوجل أنا لله وانا اليه راجعون. خارج النص: كان من حسن حظي أن أحضر اللحظات الأخيرة للغالي يس في المستشفى رحمك الله يس النعيم.